بالورقة والقلمزهراتنا الأسيرات

شروق اسمٌ مقدسيّ يحارب 16 عاما من انعدام الحياة

بقلم : حياة أنور

 

في عالمهم، يبدو واضحا أنّ الزّيارة بالنّسبة لأهل الأسير هي بمثابة متنفّس للحياة، فكيف إن كانت زيارة لابنة أسيرة، زهرةٍ تعهّدها صاحبها بالرّعاية، يخاف عليها من أن تؤذيها الرّيح حتّى، ثمّ بغتةً يجد نفسه في خضمّ خوض سلسلةٍ من المحاكم، والعودة من كلّ محكمة دون أن يكون لديه القدرة على جلب زهرته معه، وأن يتركها تذبل أمامه ويذبل هو أيضا معها، ولا يملك أن يفعل لها شيئا، ويجد أنّ الحياة لا تزال مستمرّة رغم كلّ ألمه.
كالزّهرة هي الأسيرة الفلسطينيّة، تحاول الخلاص وتقتات من الأمل، أمل زرع بداخلها بأنّ الحرّيّة باتت قريبة، هي سنة واحدة ستمضي وستكون حولهم جميعا، أولئك الذين خذلوها حين كانت بحاجةٍ إليهم، من ينادون بالعدالة والإنسانيّة والحقوق والضّمير، وفي ذات الوقت تركوا تلك الزهرة تذبل هناك وتنام في تلك التّربة، تتغذّى منها، وقالوا في سرائرهم: ستمرّ سنة واحدة وستكون في أحضان عائلتها..ربّما نسوا.. ربّما!! بأنّ السّنة إن مرّت.. تأخذ الكثير..
فبمقدور سنةٍ حين تمرّ أن تشكّلك إنسانا آخر، بوجهٍ آخر، وبقناعٍ مختلف يقاوم الحياة، وبصورةٍ أخرى تدافع عن الحقّ، وحتّى بيدين أخريين لم تعودا لك، ولا القلب لك أيضا، وهنا، هنا يؤمنون بأنّ السّنة إذ تمر، تأخذ الوقت فقط، ولم يفطنوا أنّ الوقت سيتكفّل بأخذ الباقي، بالتّحكّم بالحياة الماضية وما سيحضر منها لاحقا.
تفاصيل الخيال تستدعي نفسها هنا، وليست بخيال، ولم تكن يوما كذلك…
المحكمة منعقدة، القاضي يقول بأنّه صدر قرار بإغلاق أبواب الحياة على فتاةٍ بعمر التّاسعة عشر مدّة 16 عاما، ويصمت الجميع، ويعلو صوت الفتاة همسا في داخلها -المليء بأعاصير من الحديث ومن الصوت الذي كتموه- 16 عاما ستمرّ سريعا، فكّرت الفتاة، لن أشعر بها، وسأخرج رغما عنهم سأتحدّى وأخرج.
صوتٌ واحدٌ فقط يُسمع بوضوح رغم كلّ شيء، صوت أمّ ٍبهتت الألوان في مخيّلتها منذ اعتقال ابنتها، وتغيرت معالم الكون، وأصبحت زيارات الصّباح بهوائه البارد هي الموعد الوحيد المسجّل في ذاكرتها.
قصّة هذه الفتاة ليست خيالاً، هي شروق إبراهيم دويّات(19عاما) من مدينة القدس المحتلّة، تنتظر 16 عاما لتمرّ وترى بعدها حياة الحرّية، تسمعها وتشمّها وتتنفّسها، زهرةٌ أخرى تذبل في سجون الاحتلال.
لا بدّ أنّ شروق حين عادت إلى سجنها بحكمها البالغ 16 سنة، قد كبرت في لحظة، حين جابت عيناها أنحاء الغرفة كاملة حيث تتواجد الأسيرات، وقرأت في عين كلّ واحدةٍ منهنّ قصّةً ما، قصّتها هي وليست قصّة أحدٍ آخر.
وأُغلق الباب على شروق، ونادى منادٍ: ستخرج ولو بعد حين، ستخرج لكن … شروق إن خرجت لن تخرج حقا، سيغلق عليها ذلك الباب، سيغلق الباب على وردة، كزهرةٍ في غرفتك أعجبك لونها، وعشقت رائحتها ظننت أنّك بحبسك إيّاها ستحتفظ بها إلى الأبد وماتت.
كزهرةٍ هي شروق لم تحبس ربّما لذات السّبب، لعدم صمتها، حين تخرج شروق من زنزانة الاحتلال لن تعود شروق ومؤكّد أنّها لن تكون زهرة، ستعود بشكلٍ آخر، شكلٍ لن يتحمّله وطنٌ بأكمله، ونادى المنادي شروق ستخرج ستعود لن يطول الأمر.
سمعت شروق تعدّ الأيّام رغم الصّبر الذي في قلبها، رغم النّداءات الخفيّة لها، ستعود شروق يوما ما.. لكنّها أبدا لن تعود حقّا كما كانت.
اعتقال الأسيرة دويّات، ليس شخصيّا، ليس لها فحسب، تماما كما باقي الأسرى، ولكنّه سيكون أكثر قسوةً بكلّ تأكيد، أكثر ألما، وأشمل، فهي في النّهاية فتاةٌ كزهرة، ذبولها مباح، وأيضا، وكالعادة، اعتقالها لن يقتصر عليها فقط، سيشمل أمّا يحترق قلبها، أمّا أحنّ من الوردة، لن تشعر بطعم شيء إلى حين عودة طفلتها شروق، لن يكون للتّنفّس داعٍ، ستغيب الحياة… 16 سنة ستغيب.
واعتقال شروق لنا أيضا، يعتبر سجنا لـ16 عاما، فحين صدر حكم شروق، لم تقم ثورة، لم يحدث شيء، لم ترفع اللاّفتات لأجلها ولا الصّور، وستمضي الحياة، ولن يعير أيّ شخصٍ بالاً للصّورة التي غزت مواقع التّواصل الاجتماعي، ستنتهي قضيّة شروق كصورةٍ على صفحة أحدهم، وعبارةٍ على صفحة آخر، ونداء ومناشدة واستنكار، ستقول أمّها: هل لازلتم تتذكّرون الحرّة خلف الزّنازين؟! ستبقى أمّها وحيدة تكافح الأنفاس حتى لا تُنسى قصّة شروق.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى