
كانت منفعلة، يوحي صوتها بأنّها ملكت ما تحلم به وما تريده حتّى أنّي ظننت أنّها ستخرج من الهاتف لتخبرني بما عندها وبما يفرحها: إنّه تصريح للزّيارة بعد ما يقارب الثّلاث سنوات ونصف…
فرحة لا توصف وهي التي سترى حبيبها بعد هذه السّنوات…
هذه ليست قصّة وحيدة أو غريبة إنّما هي عنوان للعديد من القصص والحكايا التي قد ترويها أمّ أسير أو زوجته أو أخته أو ابنته …
فهناك في عالم السّجون والمعتقلات الصّهيونيّة، يحرم غالبيّة الفلسطينيّين من أبسط حقوقهم الأساسيّة، وأحد أهمّ هذه الحقوق المسلوبة هو الحقّ بالزّيارات والبقاء على تواصل مع عائلاتهم من خلال الزّيارات العائليّة، زيارات الأهل المنتظمة لهم في السّجون.
فالألم والمعاناة ليست للأسير الذي حرم من حرّيّته فقط، بل أيضا لأفراد عائلته خارج السّجن، فهناك العديد من الفلسطينيّين الذين يحرمون من رؤية أبنائهم وأحبابهم نتيجة الاعتقال ومنع الزّيارة؛ ولهذا المنع أثر كبير على الأسرى وأهاليهم.
فغالبا ما تقوم سلطات الاحتلال بإلغاء الزّيارات العائليّة أو تحديد مدّتها بشكل تعسّفي، إضافة إلى قيامها بحرمان العديد من الأسرى الفلسطينيين كلّيّا من الزّيارات العائليّة، الأمر الذي يتناقض تماما مع مسؤوليّات دولة الاحتلا وواجباتها بحسب القانون الدّولي، حيث يعتبر حقّ الزّيارة العائليّة أحد الحقوق التي كفلها القانون الدّولي، وهو حقّ منصوص عليه بوضوح في اتّفاقية جنيف الرّابعة، وفي القواعد النّموذجية الدّنيا لمعاملة الأسرى.
كما ويضع الاحتلال عقبات كبيرة أمام أهالي الأسرى والمعتقلين الذين يرغبون بزيارة أبنائهم، حيث يضطرّون لتقديم طلب للحصول على تصاريح من السّلطات الصّهيونيّة لتمكّنهم من الدّخول إلى الأراضي المحتلّة 1948 لزيارة أبنائهم في سجون الاحتلال، وفي أغلب الأحيان يكون الحصول على تصريح غاية في الصّعوبة، وأحيانا أخرى يكون مستحيلاً، والمبرّر الوحيد الذي تستخدمه سلطات الاحتلال لرفض التّصريح هو “الأسباب الأمنيّة” دون تحديد أو تفسير ما الذي تعنيه بذلك.
وفي حال السّماح بالزيارة، تقوم قوّات مصلحة السّجون الصّهيونيّة بفرض العديد من القيود على الأسرى وذويهم، حيث تُسمح الزّيارات للأقارب من الدّرجة الأولى فقط، بالإضافة إلى أنّ التّواصل بين الأسير وعائلته أثناء الزّيارة يكون عبر الهاتف من وراء حاجز زجاجي، فلا يُسمح بأيّ تواصل جسدي.
ويحتاج تقديم التّصريح إلى فترة طويلة يمكن أن تستمرّ من شهر إلى ثلاثة أشهر، أمّا التّصريح نفسه فمدّة صلاحيّته تختلف من شخص لآخر فقد يكون لشهر أو لشهرين أو لسنة، ويتمّ تقديم الطّلب عبر اللّجنة الدّوليّة للصّليب الأحمر ومن ثمّ يتمّ تحويله إلى سلطات الاحتلال، وهذه الزّيارات محصورة لأقارب الأسير من الدّرجة الأولى مثل الأطفال، الأزواج، الوالدين، الإخوة والأجداد فقط، وهكذا يتمّ عزل الأسرى عن أهلهم ومجتمعهم.
ويتجلّى ظلم الأسرى أثناء الزّيارة؛ فعندما يتمّ السّماح بالزّيارات العائليّة، فإنّ ذلك يتمّ مرّة كلّ شهر وتستمرّ الزّيارة لخمس وأربعين دقيقة فقط داخل غرفة الزّيارات، حيث يفصل بين الأسير وعائلته لوح زجاجي وطريقة التّواصل هاتف قد يُعطّل في أيّ لحظة.