عين على السجونواقع السجون

حرب الجوالات في سجون الاحتلال

بقلم :ياسين عزّ الدين

 

 

تحرم سلطات الاحتلال الأسرى الفلسطينيين من حقهم بالاتصال مع العالم الخارجي، رغم أنها تسمح للسجناء الجنائيين، وذلك بحجة الخطر على الأمن. إلا أن الأسرى بحكم تكوينهم النضالي والمقاوم لم يقبلوا بالأمر الواقع، وسعوا لانتزاع حقوقهم بيدهم، فكان التفكير بتهريب أجهزة الاتصال إلى داخل السجون. وسجلت أول عمليات التهريب عام 1998م (والبعض يقول 1997م) وذلك في معتقل مجدو، والذي كان تابعًا في ذلك الوقت لإدارة جيش الاحتلال، حيث إجراءات الأمن أقل شدة مقارنة بالسجون المركزية التابعة لمصلحة السجون الصهيونية. كانت عمليات التهريب في البداية تتم خلال زيارات الأهالي لأبنائهم الأسرى، كما لجأوا لرشوة السجانين وغيرها من طرق معقدة لإدخال الجوالات، والتي أصبحت تهرب لاحقًا إلى السجون المركزية. تحولت الجوالات في السجون إلى كابوس يؤرق سلطات الاحتلال، فهم أرادوا من السجن معاقبة الأسير والتنكيل به، وقطع أي تواصل بينه وبين أهله، فإذا الجوالات المهربة تتيح له التواصل مع أهله، ومتابعة همومه الحياتية المختلفة، كما كانت الجوالات وسيلة لتواصل الأسرى مع الإعلام والمؤسسات الحقوقية. فبدأت سلطات الاحتلال حربًا تنكيليًا ضد الأسرى، وشددت إجراءات التفتيش في زيارة الأهالي، ومنعت ادخال الكثير من الأغراض في الزيارات، كما اعتقل عدد من السجانين الذين كانوا يتقاضون رشاوى، وسجن محامون بتهمة المساعدة بتهريب الجوالات. وداخل غرف السجون كانت حملات التفتيش الدائم، والعقوبات المغلظة (غرامات وزنازين انفرادية) لمن يضبط بحوزته جوال مهرب أو حتى شريحة جوال. لم يستسلم الأسرى ولم يهتموا بالثمن المرتفع، واستمروا يبدعون وسائل للتهريب، وأنشئت لجان خاصة بإيجاد مخابئ للجوالات داخل غرف السجون وخيم المعتقلات، ويوميًا يتم فتح هذه المخابئ وإخراج الجوالات منها، ثم إعادتها إليها بعد الانتهاء منها، من خلال اللجنة المختصة. وكلما اكتشف الاحتلال وسيلة للتخبئة، شدد إجراءاته، فمثلًا اكتشفت مصلحة السجون أن الأسرى يحفرون المخابئ في جدران الغرف، ويغطونها بطبقة من النشا لتبدو وكأنها جزء من الحائط الأبيض، فمنعت بيع النشا الأبيض اللون في الكنتينا، وفي المقابل أبدع الأسرى وسائل جديدة للتخبئة. كما قامت سلطات الاحتلال بنقل المعتقلات التابعة لجيش الاحتلال (عوفر والنقب ومجدو) إلى مصلحة السجون الصهيونية، وكان آخرها معتقل عوفر عام 2006م، وذلك من أجل تشديد إجراءات التفتيش ومحاربة الجوالات. مع ذلك فشلوا في منع الأسرى من ابتداع طرق جديدة للتهريب والتخبئة، ورغم وجود فرق خاصة بالتفتيش لدى مصلحة السجون، ورغم المداهمات في ساعات ليلية متأخرة (عادة يخرج الأسرى الجوالات من مخابئها ليلًا بعد انتهاء العدد الأخير) إلا أن الأسرى ما زالوا منتصرين في حرب الجوالات التي لا تنتهي. وفي خضم هذه الحرب تخرج أصوات تدعو للاستسلام، وأن الثمن المدفوع (مداهمات وتنكيل وعقوبات وتشديد على الزيارات) أكبر من فائدة الجوالات، وهو نفس النقاش الذي نسمعه اليوم فيما يخص انتفاضة القدس والشهداء الذين يرتقون أثناء تنفيذ عمليات الطعن، أو في مسيرات العودة بغزة، ومن قبلها في حروب غزة المختلفة وانتفاضتي القدس والأقصى. الاحتلال يتعمد رفع ثمن مقاومته بشكل مبالغ فيه، لكي يدفع الناس للاستسلام له، وحربه ضد الأسرى جزء من هذه الاستراتيجية، لكن مجموع الأسرى يرفضون دعوات المهادنة، ويصرون على الدفاع عن حقهم في تهريب الجوالات، ويحرصون على تفادي بعض الأمور “الاستفزازية” مثل الخروج بمقابلات هاتفية في الفضائيات. ويحققون بذلك هدفين: الأول: في ظل قلة الزيارات (في أحسن الأحوال زيارة نصف ساعة شهريًا) والبعض لا يزور أهله لفترة خمسة أعوام متواصلة وأكثر، فوجود الجوالات يصبح ضرورة، وللأسير عائلة وزوجة وأطفال ومصالح وأعمال، ربما هنالك من يساعدهم ويدعمهم لكن لا أحد يستطيع الحلول مكان الأسير نفسه. الثاني: الاستسلام لضغط الاحتلال أول مرة، يعني السقوط في دوامة الاستسلام، وكل مرة سيقدمون التنازل تلو الآخر، فهذا عدو لا يرحم، لذا يجب رفض الاستسلام له كمبدأ وعقيدة. في الختام: حرب الجوالات داخل سجون الاحتلال، هي امتداد لمقاومة الاحتلال خارج السجون، ورغم الأثمان العالية وحرب الأدمغة بين الأسرى وإدارة مصلحة السجون، إلا أن هنالك إصرار على الصمود والمقاومة، مهما كان الثمن، ومن كانت عزيمته هكذا وهمته بهذا العلو، فهو مؤهل لأن يحارب من أجل التحرير والأقصى واللاجئين.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى