
بقلم: ثامر سباعنه
عبد الله البرغوثي ، أبو اسامة، صاحب أعلى حكم في سجون الاحتلال، كنت قد سمعت عنه وقرأت كتابه (أمير الظّلّ) قبل اعتقالي، ولم أتخيّل يوما أن ألتقي به. explore clinics يرتدي شعر العلامة التجارية.
ولد الأسير عبد الله غالب عبد الله البرغوثي في الكويت عام 1972، وتزوّج عام 1998 في الفترة ذاتها التي عاد بها إلى قريته بيت ريما، وهناك شرع بتأسيس عائلة ستعيش معه أيّامه المرّة قبل الحلوة فقد طورد لسنوات حتّى استطاعت المخابرات الصّهيونيّة اصطياده على غير يقين من هويّته في الخامس من آذار 2003، عندما كان بصدد الخروج من إحدى مستشفيات رام الله، بعد أن أسرع إلى معالجة طفلته الكبرى تالا، وقد نسي لوهلة أنّه عبد الله البرغوثي المطلوب الأوّل، وتذكّر أن طفلته وحيدة ستظلّ في الشّارع…ألقوا به في السّيّارة العسكريّة، وتُركت الصّغيرة على الرّصيف في حالة صدمة وبكاء مرير، وظلّت مجهولة الهويّة لساعات حتّى تمّ نشر صورها بالمحطّات المحلّية ليتعرّف عليها أهلها.
في صيف ،2013 وبينما كنت عائدا من بوسطة محكمة سالم إلى سجن شطّه، استقبلني زملائي في القسم ليبثّوا لي خبر وصول الأسير عبد الله البرغوثي إلى القسم أثناء غيابي. وبمجرّد سماع الاسم تحرّك في مخيّلتي شريط الأحداث والمعلومات والأخبار التي سمعتها وقرأتها سابقا عن أبي أسامة. وتقابلنا بابتسامة وعناق، وتعارفنا فبدأت أخوّة لن تنتهي بإذن الله، عشنا معا أحد عشر يوما قبل أن يتمّ نقله إلى سجن آخر.
عندما تحمل أعلى حكم بالسّجن فإنّ ذلك يعني نظريّا أنّ حياتك قد انتهت وأنّ القيد والسّجن مصيرك، لكن حياة أبي أسامة لم تنته فعليّا، فلم يترك لليأس مجالا ليسيطر عليه أو يسلبه حقّه في العيش. حدّثني عبد الله البرغوثي كيف استطاع أن يستغلّ سنوات العزل الطّويلة (عشر سنوات) بأن كتب أكثر من تسع كتب وروايات متحدّيا جدران زنزانة العزل التي أراد العدو أن تكون قبرا لروحه، لكن روحه سمت وانتصرت على هذه الجدران واستطاعت التّحليق عاليا منتصرة، كتب عبد الله البرغوثي الرّوايات الأدبيّة التي تتحدّث عن المقاومة والبطولة والفداء وكأنّه يكمل مشواره الجهادي عبر الكتابة.
وبعد خروجه من العزل سارع أبو أسامة إلى التّواصل مع الخارج عبر كلّ الوسائل المتاحة له، فلقد قام أحبابه ومناصروه بعمل صفحات له وباسمه على الانترنت ومواقع التّواصل الاجتماعي، وبالفعل تابع أبو أسامة العديد من هذه الصّفحات ولم يتكاسل عن الرّدّ على رسائل المحبّين وتعليقاتهم كلّما أتيحت له الفرصة. ولقد أخبرني أبو أسامة حكايته مع طالبة فلسطينيّة تعيش في الأردن كانت قد أنهت الثّانويّة العامّة وأرادت أن تدرس الأدب ولكنّ أهلها أصرّوا على دراسة الصّيدلة لأنّ معدّلها يسمح بذلك، ولكن الفتاة ظلّت على موقفها باعتبارها محبّة للكتابة والرّواية والشّعر، فبعثت للبرغوثي رسالة تستشيره فيها بالأمر، فكان ردّه أن تدرس الصّيدلة وأن تبقى على تواصل مع الأدب والشّعر وأن تكتب وتبدع. وفعلا استجابت الفتاة فشكر والداها أبا أسامة.
صادق عبد الله البرغوثي الشّباب العربي في كلّ بقاع الأرض فكان له إخوة في تونس نشطوا في دعم الأسرى وقضيّتهم، وكان أبو أسامة يتابعهم بوقفاتهم ويشكرهم على ذلك ممّا يزرع حبّ القضية فيهم أكثر…وإنّ المتابع لسيرته ليدرك سريعا أنّ عبد الله البرغوثي مثال رائع للإصرار على العطاء والبذل رغم كلّ القيود، وذلك ما وقفت عليه جليّا في أيّامي مع صاحب أعلى حكم بالسّجن في العالم.