
الحبّ في ظلّ الاحتلال ليس كغيره من الأحاسيس عند النّاس في مختلف أنحاء المعمورة، فهو شعور ممزوج بالألم المخضّب بالدّماء التي تعطّرت بها الأرض من الشّهداء وقد جبلت بألم الأسرى الذين أمضوا أحلى سنوات أعمارهم في زنازين معتمة يرسمون بها أملا جميلا بغد أحلى في ظلّ وطن محرّر وزوجات صالحات تمضي معهنّ سنوات أعمارهم في أمن وأمان.
الحبّ سيمفونية جميلة للحرّيّة يعزفها الأسير لكي يبقى حيّا في قلب ربوع الوطن، يدلّه على طريق العيش في بلاده الجميلة دون خوف، فهو الجدار الذي يستند عليه عندما تحتدّ الأمور في حياته داخل الأسر، يمتزج الشّعور فيه مع حبّ الوطن فيحدث ثورة عاطفية عميقة في قلبه لا تستطيع قوى الأرض كلهّا أن تهدّئها.
يعيش الأسير في ظلّ جدران قاتمة تؤثّر في جسده عبر سنوات من القهر، ولكنه يقهرها ويطلق روحه من خلال فتحات السّماء المقطّعة بالحديد لتمنع موجات الفرح إلى قلبه فيحلّق عاليا في سماء بلده مع من تعلّق قلبه، زوجته، خطيبته، أو من يحبّ وينتظر أن تمضي الأيّام سريعا ليخرج إلى عالم الارتباط المقدّس في سبيل الله والوطن الذي أحبّ.
الحبّ في الأسر مليء بالأمل والألم، بالنّور الذي يضيء للأسير الطّريق والنّار التي يحسّ بها نتيجة الظّلم الواقع عليه، بالقوّة الهائلة التي يستمدّها من عنفوان التّحدّي للسّجّان وانكسار قلبه ممّن خذله في وطنه وتركه وحيدا يعاني منتظرا فرجا من الله ومن ثمّ إخوانه القابضين على الجمر في زمن الخيانة المقدّسة للأرض والإنسان.
الحبّ يعني حسن سلامة وغفران الزّامل وغيرهم الكثير ممّن يعيشون بالغد الأجمل بإذن الله في ظلّ وطن محرّر جميل كجمال قلبيهما، ليعيدا يوما ذكرى العيّاش يحيى في وطني، الحبّ يعني الأسير الذي يخرج في كلّ زيارة دفاتر الخواطر القلبيّة، في زوجته التي رغم بعده عنها لا زالت ترافقه في داخل الغرفة أو الفورة في الأسر، (الفورة: المكان الذي يوجد خارج الغرف ويخرج إليها الأسير من ساعتين إلى ثلاثة باليوم فقط).
الحبّ في وطن الأنبياء عقد مقدّس مع السّماء يمتزج فيه قلبان في عهد من ربّ السّماء على المضي معا من أجل حرّيّة حمراء لوطن تكالبت كل الأمم على ظلمه من أجل إسعاد أولاد البغاء، في الأسر يسمو الحبّ داخل القلب ليمتزج مع الرّوح بطريقة فلسطينيّة خاصّة لا يعرف معناها سوى الأسير الذي ينتصر على السّجّان كلّ يوم في سبيل حبّه الأكبر وهو الوطن.
في الأسر تمتزج العواطف في قلب الأسير ما بين حبّ وطنه الخاصّ الذي يسكن جزءا من قلبه وحبّ وطنه فلسطين الذي يحصل على الجزء الأكبر منه. في الأسر يتولّد الشّعور بالرّاحة النّفسيّة التي تمنح الأسير القوّة الخارقة في مواجهة السّجّان مستمدّة من شعوره بالحبّ لزوجته أو أمّه، فهو الواقي الذي يحميه من السّقوط في وحل اليأس والقنوط من الفرج الذي وعده به ربّ العالمين لصبره وجهاده ونضاله من أجل وطنه المقدّس.
في الأسر يرسم الأسير صورة جميلة في مخيّلته وهو يعقد قرانه على من أحبّ في ساحات المسجد الأقصى الذي سيبقى بوصلة المحبّين وقبلة العاشقين الأولى فيها الأمن والأمان في زمن الذّلّ والهوان، فيها العنفوان المقدّس الذي يولد العشق للوطن والجنان.
آه يا وطني كم من محبّ في زنازين المحتلّ ينتظر الفرج الجميل ليخرج إلى عالم الحبّ المقدّس من أجل إعمارك والمضيّ في الطريق الموصل إلى التّحرير يوما قريبا بإذن الله؟ هذا وعد من الله للمحبّين المرابطين القابضين على الجمر في وطن الأنبياء.
فالحبّ يا أختي ويا أخي يكون أجمل عندما يمتزج الألم من المحتلّ بالأمل بالتّحرير والنّصر الذي يرونه بعيدا ونراه قريبا يشعّ من قلب الأسرى في مختلف الزّنازين …
أسرانا الأحباب أحبّكم في الله وأقبّل جباهكم واحدا واحدا وأكيد غدا أجمل في ظلّ وطن محرّر مزهوّ بجمالكم وابتسامتكم في من ظلموكم وخذلوكم.