زهراتنا الأسيرات

أســــيرات غزة

بقلم : هيفاء أبو صبيح


عندما تتمعّن في كلمة الأسر تجد أنّها بحدّ ذاتها تحمل من الشّقاء والتّعب ما لم يحتمله قلب مهما كانت قوّته ومهما كان عوده صلبا، لتحتوي تلك الأحرف أكثر الآلام وأبشع صنوف العذاب ولن أتحدّث عن أجزائها فجزيئاتها تحمل في رحمها معاناة أمّة وجيل بأكمله. وهنا سأنفرد بالحديث عن لون من تلك الألوان الحالكة المظلمة والشّديدة البرودة وهو إلى جانب المعاناة الخاصّة للأسيرة الأنثى يزيد هنا الوجع أوجاعا وتدمي القيود المعاصم والقلوب، إنّهنّ أسيرات غزّة هاشم فكما يعلم الجميع أنّ لغزة هاشم أصناف وأصناف من العذاب وإحداها وجود ثلاث أسيرات في سجون الاحتلال.

في البداية كما كلّ التّحقيقات تكون بغاية القسوة وكأنّها ضرب من ضروب الانتقام من غزّة بأكملها ويتعدّى الشّبح والضّرب بأعقاب البندقية كما كان مع الاسيرة نسرين حسن( أبوكميل ) وفي جانب آخر منع من الدواء أثناء التحقيق ووجودهنّ في زنازين قاسية لا تحمل أي صفة للإنسانية كما في حالة الأسيرة ابتسام موسى وسمر ظاهر حتى لا يكون هناك مراعاة لحالتهنّ الصّحية ووجود الأمراض المزمنة كالسكر والضغط والروماتيزم ولا مراعاة لأعمارهنّ الكبيرة.
ومنذ دخولهنّ السّجن بعد ولادة متعسّرة في التّحقيق تبدأ مرحلة العذاب من باب آخر فهنّ ككل الأسيرات يتعرض للمعاناة وللتّعذيب النفسي والجسدي وأيضا للبرد وللتّنقّل بالبوسطة برغم كل شيء ولكن حال باقي الأسيرات مختلف عن أسيرات غزّة فهنا المعاناة متفاقمة عن معاناة الباقي، فأسيرات غزّة لا يتمّ زيارتهنّ من قبل الاهل وذلك لأسباب منها أولا خوف الاسيرة على أهلها اذا أرادوا ان يحضروا للزياره عبر المعابر من احتجازهم فور وصولهم للمعبر لأنهن لا يأمنّ مكر الاحتلال، أو أن الأهل محرومون أصلا من الزّيارة ولديهم منع أمني، وبكلا الحالتين لا زياره لهن وهذا يعني أشياء كثيرة أهمّها أن لا ملابس أو غيارات تصل من الأهل طوال فترة الأسر أو حتّى نقود في كنتينتهنّ الخاصّة وهو الذي يزيد من الضّغط النفسي والشّعور بالنّقص لدى الأسيرة الغزّية لأن حالها مختلف في ذلك، ولنتخيّل يوم الزّيارة تخرج الأسيرات جميعا إلاّ قلّة ممّن لا زيارة لهنّ وتبقى أسيرات غزّة في كلّ زيارة في الزّنازين لا يخرجن لرؤية الأهل ولا لسماع أصواتهم، وأيضا لتضاف معاناة أخرى وشكل آخر لأشكال الإذلال كانت الإدارة ترفض إعطاءهن اتّصالا هاتفيا بدل زيارات وذلك منذ بداية الأسر إلى ما قبل أشهر قليلة حينما سمحت للأسيرة نسرين أبوكميل بعد سنوات من الاتّصال بأهلها بوجود ضبّاط المخابرات وأيضا سمحت للأسيرة ابتسام كذلك، وفي حالات خاصّة كوفاة أحد الأهل المقربين كالأخت رفضت الإدارة السماح بالاتصال أيضا، لتبقى غصّة الزّيارة وعقدة القصور تغزو فكر الأسيرات الغزّيات.
ونظرا لكلّ الظّروف الخاصّة لتلك الأسيرات لم تتركهنّ الأسيرات الأخريات فكنّ لهنّ العائلة التي تحتضن الأبناء، وكانت المساهمات في توفير الملابس من قبل الأسيرات أو حتّى الأسيرات المحرّرات رمزا للمحبّة والأخوّة والوفاء امتازت به السّجون ولا زالت في صور أخويّة أرقى من أي صور قد تصوّر للأخوة، أمّا بالنّسبة للنّقود تبقى المشكلة أن لا أحد من أهالي الأسيرات يستطيع وضع أيّ مبلغ أثناء الزّيارة باسم الأسيرة نفسها وإنّما أحيانا يضطر الأهل إلى وضع النقود باسم ابنتهم ويخبرونها أنها مشتركة بينها وبين أسيرة من غزّة لسدّ حاجتها من الاحتياجات الشّخصيّة الضروريّة اللاّزمه،  أما محاولة وضع نقود لهن بالبريد فهو تعريض للنّفس للخطر لأنّ السّلطة قبل الاحتلال تحقّق مع من يضع لهنّ النقود وصلة القرابة وما إلى ذلك وكذلك الاحتلال فعند وضع النقود من البريد على أرقامهن يظهر لدى الجهتين هوية واضع النقود وبذلك يعرّض نفسه للمساءلة وقد تكون العاقبة أحيانا التّحقيق ومن ثمّ الاعتقال من كلا الطرفين وتدخل في دوّامة من السّين والجيم لا نهاية لها وكأنّك اقترفت جرما عظيما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى