
بقلم: د.محمد سعيد بكر
تتعدد واجبات المسلمين تجاه أسراهم بحسب تعدد طاقاتهم ومواقعهم وقدراتهم، فصاحب المال ينصر إخوانه الأسرى بماله، وصاحب الجاه ينصرهم بجاهه، وصاحب القلم ينصرهم بقلمه، وصاحب الموقع والرأي والتأثير والقرار ينصرهم بذلك، وأوجب الواجبات تجاه أسرانا البواسل أن نخلصهم من الأسر، ويُعدُّ هذا من واجبات الوقت التي طلبها الإسلام، ومن أجلها حرَّك المسلمون الأوائل جيوشهم، يوم كان للإنسان المسلم قيمة ووزن، وما حكاية نداء المعتصم من المرأة الأسيرة عنا ببعيد، وإن من أبرز واجبات المسلمين تجاه الأسرى في فلسطين والعراق وفي كل مكان ما يأتي:
1. نشر ثقافة احترام الإنسان المسلم وتأكيد قيمته عند الله تعالى وعند الناس: ” لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم” رواه النسائي وهو صحيح، ومعلوم أن الأسر أشد إيلاما من القتل، لأجل ذلك قدَّم الله تعالى مؤامرة الأسر على مؤامرة القتل التي كان يدبرها المشركون للنبي ليلة هجرته إلى المدينة، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30).
2. نشر ثقافة الحذر والاحتياط من الأسر، فالواجب على المسلم أن يحذر من إي مساس به وأن لا يعطي الذريعة لأي جهة أن تأسره، ولا يعني ذلك القعود والركون بداعي النواحي الأمنية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (النساء: 71).
3. استشعار عظيم الامتنان والسعادة التي يمكن أن يحوزها الأسير وأهله عند فكاكه، ولك أن تتخيل نبي الله يوسف لما أخذ يُعدد نِعَمَ الله عليه، أثنى على الله بأعظم ما امتنَّ به عليه من النعم، ومن تلك النعم قوله] وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ [يوسف:100.
4. نشر ثقافة أن الأسير ذو قيمة ومحترم، فهو الذي ضحى بنفسه من أجل كرامة أمته، وضحى بحريته من أجل حرية أمته، فإن واجبنا نحو أسرانا ينطلق من باب ردِّ الجميل لهم، لا سيما وأنهم لم يُأسروا لأسباب فساد أو قضايا الشرف والمخدرات وغيرها، إنما الحديث هنا عن أسرى العقيدة وأسرى الكرامة وأسرى الحقوق المسلوبة، فهؤلاء نقول لهم: جزاكم الله خيرا، ونسعى بكل ما أوتينا من قوة لتخليصهم، ونستشعر بأنه لا كرامة لنا طالما أن منا من هو أسير عند الطواغيت أو الغاصبين.
5. إن تفكيرنا بالأسرى وتخليصهم شيء مهم، ولا ننسى أن دورنا هو أعظم من ذلك يوم نكون عند أمر الله تعالى على الطريق المستقيم، حيث يكون لنا السبق في الأسر للعدو ليس فقط دور تخليص أسرانا منه، قال تعالى مبيناً تلك المنزلة: (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) (الأحزاب: 26).
6. متابعة قضايا الأسرى بشكل فردي وجماعي وبشكل دائم ومستمر.
7. مراجعة الواجبات الشرعية نحو الأسرى ولعل منها:
• فكاكهم من أسرهم بشتى الوسائل والسبل المشروعة، قال : (فكوا العاني) رواه البخاري، يقول ابن تيمية: (فكاك الأسارى من أعظم الواجبات، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات).
• استشعار ما هم فيه من شدة وبلاء، ولا أدل على ذلك من حالة النبي وهو يستشعر آلام الأسرى والسجناء بقوله : ” وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِي”، أي أجاب داعي الملك لما أرسله إلى يوسف ليخرج لمقابلة الملك، فلم يجب الداعي حتى يتبين الجميع من براءته، ويَظْهر للناس نزاهته وعفته، فنبينا يبين لو أنه لبث ما لبث يوسف لأجاب الداعي، ولعجَّل بالخروج من السجن، كل ذلك لعظم أمر السجن، وشدة قهره، وبلائه.
• وعن أبي جُحَيْفة رضي الله عنه قال: “قلت لعلي رضي الله عنه هل عندكم شيءٌ من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فِهما يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة؟ قلت: وما في الصحيفة؟ قال:” العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر” (أخرجه البخاري).
• وفي باب الترهيب من الرضا بإذلال المسلمين يروي الإمام أحمد بسند حسن عن النبي فيقول: (من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة).
• وإن من أعظم واجباتنا تجاه أسرانا أن نواسيهم بعوض الله تعالى لهم عن كل لحظة قهر أمضوها في سجون المجرمين، فقد بشَّر الله تعالى بالعوض والخلاص للأسرى الفاجرين إن هم تابوا وأنابوا فكيف الحال بالنسبة للمؤمنين الموحدين؟: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنفال: 70).
• كما يجب علينا أن نضيف الواجبات المادية تجاه أسرانا وذويهم من مأكل ومشرب ومسكن وتعليم ورعاية ومعاش، إلى الواجبات المعنوية من مواساة وملاطفة وتصبير وغيرها، قال تعالى مبينا بعض واجباتنا المادية نحو الأسرى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وأسيرا) (الإنسان: 8)
• سداد حاجة أهل الأسير وتكريمهم وكفالة أسرهم وأبنائهم قال : (من خلف غازيا في سبيل الله فقد غزا) (رواه البخاري).
8. فتح ملفات جميع الأسرى والتعريف الشامل به والتذكير المستمر بهم.
9. الاقتداء بالسبب الشريف الذي من أجله اعتقلوا وأُسروا، فالعدو يريد بأسرهم تأديبهم كما يريد تخويفنا، لكنهم بفضل الله تعالى لم يتأدبوا(على طريقة العدو)، ونحن لم ولن نخاف.
10.تجهيز جيش تخلص الأسرى..جيش الفكاك: فكاك العاني مما يعاني.
11.دراسة فقه الأسير وإرساله له لكي يكون على بصيرة حتى وهو في سجنه.
12.الإفادة من تجاربهم في السجن وقبله.
13.التخطيط المستمر لخطف جنود العدو ومقايضته بأسرانا، قال تعالى: (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ) (البقرة:85)
14.الدعاء المستمر للأسرى بالفرج، فعن أبي هريرة أن النبي كان إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت: “اللهم أنج عيَّاش بن أبي ربيعة، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف”(رواه البخاري).
15.التضامن مع نشاطاتهم كالإضراب وغيره.
16.تسجيل وأرشفة وتداول تجاربهم.
17.زيارة من نستطيع زيارته منهم أو من أهلهم.
18.كما ينبغي أن نعلم بأن دعوة الأسير مستجابة أليس هو الذي يعيش في سجون المغتصبين والطواغيت الذين أبدعوا في أساليب التعذيب والتنكيل والاغتصاب، فهو مظلوم والله ناصره, ودعوته تصل للسماء كأنها شرارة فليس عليها حجاب, ففي صحيح الجامع قال رسول الله : “اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام, يقول الله : وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين” .
19.كما ينبغي أن نعلم وأن نذكر شرف الأسرى وأنهم كالمجاهدين المرابطين، وأنهم موقوفون على أمر الله تعالى، فأجر الأسير لا يعلمه إلا الله، ولا يقل عن أجر المجاهد المرابط في سبيل الله، ومن هنا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا -يعني بلالا رضي الله عنه-“، بالإشارة الى شرف الأسير وشرف منزلة من يسعى لإعتاقه وتحريره.
20.كما أن من واجبنا أن نعلم بأن الأسر مصنع الرجال، فأغلب القادة والعلماء الذين نهضت بهم الأمة, هم خريجون من سجون الطواغيت والكفار, لِما في الأسر من فضل كبير تنبني عليه شخصية القائد والإمام, فلا يشغله شيء عن ذكر الله كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) : حبسي خلوة، وقتلي شهادة، ونفيي سياحة “، وهذا كله في باب مواساة الأسير وأهله، وإلا فإن السجن مؤلم وموجع، وإن كان لك أن تتخيل حالك وأنت مسافر بعيد عن أهلك وإن كنت في السفر قريب من البشر كلهم، إلا أن غيابك عن أهلك يُتعبك، فكيف هو حال الأسير في العزل الإنفرادي أو حتى في السجون المشتركة، يا له من شعور شديد على النفس لمن يتخيله فكيف بمن يجربُه.
21. كما لا بد من حمل قضية الأسرى الى كل صاحب مال أو موقع وقرار، مع التأكيد والجزم بأن المفاوضات العبثية لم تجن لصالح الأسرى خيرا، وأن طريق المقاومة هو طريق الخلاص بإذن الله تعالى.
قال الإمام القرطبي : ” فداء الأسرى واجب وإن لم يبق درهم واحد . وقال ابن خويز منداد : وردت الأثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فك الأسرى وأمر بفكاكهم وجرى بذلك عمل المسلمين وانعقد به الإجماع “
فعن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال : لما بعثه عمر بن عبد العزيز لفداء الأسارى ، أسارى المسلمين في القسطنطينية ، قلت له : أرأيت يا أمير المؤمنين إن أبوا أن يفادوا الرجل بالرجل ؟ كيف أصنع ؟ قال عمر : زدهم . قلت : إن أبوا أن يعطوا الرجل بالاثنين . قال : أعطهم ثلاثاً . قلت : فإن أبوا إلا أربعاً ؟ قال : فأعطهم لكل مسلم ما سألوك ، فوالله لرجل من المسلمين أحب إليَّ من كل مشرك عندي ، إنك ما فاديت به المسلم فقد ظفرت ، إنك إنما تشتري الإسلام . يقول عبد الرحمن بن أبي عميرة : فصالحت الروم عل كل رجل من المسلمين رجلين من الروم .
وعن عُمَرَ بنِ الخطّاب قال: (لأَنْ أَسْتَنْقِذَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ جِزيرَةِ الْعَرَبِ) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف.
نسال الله تعالى أن يخلصنا من طواغيتنا، وأن يجعلنا سبباً من أسباب الخلاص للمسلمين.