
بقلم : عمار خضير
يتشبّث الإنسان بكلّ ما يشعره بالحياة، ألم تسمع بالغريق الذي يتعلّق بقشّة علّها تنجيه من الغرق في ظلمات السّجون والانعزال عن الحياة.
إنّ فلسفة السّجن تعني القمع والتّضييق والعقاب وعند المجرمين الصّهاينة تعني أيضا الموت وأنت على قيد الحياة، تعني أن تفقد الإحساس بالمكان والزمان والإنسان.
يعزل الأسير مكانيّا بغرف نوافذها لا تطلّ سوى على الجدران والأسلاك الشّائكة، كلّ شيء يشعرك بالجفاء والخشونة، أسلاك شائكة، جدران مرتفعة، ألوان باهتة، السّماء فوقك مقطّعة مفصلة، تشعر وكأنّ سقوطها عليك ليس ببعيد.
زمانيّا كلّ الأيّام سواء لا فرق بين يوم ويوم، وتتكرّر الأيّام مملّة متتالية تحرّكها إجراءات التّفتيش والإخلاء والتّدقيق عن ثقب قد تمرّ منه إلى الحرّيّة والحياة.
وأمّا الانسان فلا تواصل مع من تحب، لا تواصل مع أهلك، لا تواصل مع امتداد ذكرياتك التي تركتها خلف أسوار القهر والبعد، إبعاد ونفي عن كلّ ماضيك وأيّامك التي خلت.
كلّ ما في السّجن ليس له هدف سوى الخنق والتّضييق، لكنّ روح الحياة ومعاندة الواقع وعدم الاستسلام تجعل من الأسير يفتح النّوافذ ليسرق الحياة من بين أنياب السّجّان الحاقد اللّئيم.
تمكّنت الإرادة التي لا تعرف الاستسلام من أن تنتزع وسيلة للتّواصل مع خارج السّجن، مع الحياة رغما عن السّجّان، تمكّنت من إدخال الهواتف من أجل كسر كلّ هذه الظروف ليبقى الأسير على تواصل مع الحياة، ولم يكن إدخال هذه الأجهزة بالأمر اليسير بل تحمّل الأسرى كثير المعاناة من أجل الوصول إليها.
أدرك السّجّان الحاقد وعلم عن تمكّن الأسرى من هذه الوسيلة للتّواصل مع الحياة من مقابرهم، فلم يرق له هذا الأمر وبذل كلّ جهد من حقد ومكائد من أجل انتزاع هذه الوسيلة من الأسرى، لكن الأسرى لا يعجزهم إخفائها عنهم رغم التّفتيش والبحث المستمرّ.
ولمّا عجز الاحتلال الحاقد عن نزع هذه الوسيلة توجّه بخبث ومكر نحو أسلوب جديد وهو استخدام أجهزة التّشويش لكي لا يتواصل من هم في مقابر الأحياء مع الحياة.
والله غالب والفرج قريب بإذن الله.