
بقلم: رياض الأشقر
لا تكتفى سلطات الاحتلال بمصادره حرّيّة الآلاف من أبناء الشّعب الفلسطيني وحرمانهم من حقّ الحياة بأمان وممارسة كلّ أشكال التّعذيب بحقّهم بداية الاعتقال، إنّما تتعمّد استهدافهم داخل السّجون بإجراءات عقابيّة تضاعف معاناتهم، وتنغّص حياتهم، وتراكم عليهم العذابات وتتسبّب بإيذائهم جسديّا ونفسيّا من أجل أن يبقى الأسير رهين القلق والمرض طوال فترة اعتقاله، وكان آخر تلك الإجراءات تركيب أجهزة التّشويش الإلكترونيّة المسرطنة.
بدأ الاحتلال منذ بداية العام الحالي بتنفيذ مشروع ضخم لتركيب أجهزة تشويش متطوّرة في كافّة السّجون، وأطلق عليه اسم (المعطف الإلكتروني) ورصد له ميزانيّة ضخمة تصل إلى 22 مليون شيقل وجرى البدء بتجربتها في سجن النّقب بقسم 4 تحديدا وستستمرّ فترة الاختبار 3 أشهر، على أن يتمّ الانتهاء من نشر المنظومة في السّجون الأمنيّة مطلع العام 2021.
تركيب أجهزة التشويش في السجون ليس جديدا فقد تمّ رصد تركيب أجهزة مماثلة منذ عام 2002 وما بعدها، ولكنّها كانت عشوائيّة وقليلة، وكان يضعها الاحتلال على فترات متباعدة وحسب الحاجة، بينما يخطّط الآن لوضع تلك الأجهزة في كلّ السّجون بشكل مدروس وضمن خطّة كاملة متدحرجة، ويستخدم أجهزة متطوّرة وحديثة ممّا يشكل خطورة حقيقيّة على صحّة الأسرى وحياتهم، وخاصّة أنّه يتعمّد وضعها قرب أماكن نومهم.
ويبرّر الاحتلال هذه الجريمة بوجود عدد كبير من أجهزة الاتّصال النّقّالة التي استطاع الأسرى تهريبها إلى داخل السّجون، وهذه بكل تأكيد مزاعم كاذبة حيث نسبة نجاح تهريب هواتف نقّالة تكاد تكون “معدومة”، بسبب إجراءات التّفتيش المشدّدة التي يتعرّضون لها الأهالي خلال الزّيارة يدويّا وإلكترونيّا، وإنّ ما استطاع الأسرى تهريبه هو أعداد قليلة جدّا تستخدم في تواصل الأسرى الممنوعين من الزّيارة مع ذويهم وإنّ تكلفتها خياليّة تكاد تصل إلى 5 آلاف دولار للجهاز الواحد.
وإنّ ما دفع الأسرى للمخاطرة باقتناء أجهزة اتّصال هو ممارسة حقّهم في التّواصل مع ذويهم حيث يحرم الاحتلال المئات من الأسرى من الزّيارة لفترات طويلة، وهو حقّ تضمنه كلّ الأعراف والمواثيق الدّوليّة، وخاصّة المــادّة 116من اتّفاقيّة جنيف الرّابعة التي نصّت على أنّه “يسمح لكلّ شخص معتقل باستقبال زائريه، وعلى الأخصّ أقاربه، على فترات منتظمة، وبقدر ما يمكن من التّواتر.”
كما يرفض الاحتلال توفير تلفون عمومي يتواصل الأسرى من خلاله مع ذويهم تحت إشراف إدارة السّجن، وهو ما دفع الأسرى لمحاولة الخروج من حالة العزلة التي فرضتها عليهم إدارة السّجون، بإيجاد بدائل للتّواصل مع ذويهم.
تصدر أجهزة التّشويش التي ركّبها الاحتلال على مسافات قريبة من نوم الأسرى، موجات كهرومغناطيسية تبلغ قوّتها 2690 ميغاهيرتز وهى تعتبر خطرا شديدا في المناطق المغلقة كالسّجون، كما تتجاوز المعايير التي حدّدتها منظّمة الصّحّة العالميّة بشكل كبير، وهذه الإشعاعات تسبّبت بإصابة الأسرى بأعراض مرضيّة متعدّدة منها القلق، وقلّة النوم، والصّداع وآلام الرّأس وتسارع في ضربات القلب، إضافة إلى مشاكل في السّمع، ويخشى الأسرى أنّها تسبّب أمراضا سرطانيّة.
كما أنّ الإشعاعات التي تصدر عن أجهزة التّشويش لا يتوقّف تأثيرها على صحّة الأسرى فقط، إنّما أدّت إلى التّقليل بشكل واضح من أهمّية إنجازين كبيرين حصل عليهما الأسرى عبر عشرات السّنين من التّضحيات، وهما “الرّاديو والتّلفاز” حيث أدّت إلى التّشويش على موجات الرّاديو التي يستمع لها الأسرى، وقطعت وصول غالبيّة القنوات التّلفزيونيّة المسموح بها داخل السّجون.
ويخالف الاحتلال بوضع أجهزة التشويش قرب أقسام الأسرى، المادّة (85) من اتّفاقيّة جنيف الرّابعة والتي نصّت على “ضرورة اتّخاذ جميع التّدابير اللاّزمة والممكنة لضمان إيواء الأشخاص المحميّين منذ بدء اعتقالهم في مبان أو أماكن تتوفّر فيها كلّ الشّروط الصّحّية وضمانات السّلامة، ولا يجوز بأيّ حال وضع أماكن الاعتقال الدّائم في مناطق غير صحّية.”
كما رفض الاحتلال مطالب فلسطينيّة بالسّماح لوفود متخصّصة ومحايدة بدخول المعتقلات وفحص هذه الأجهزة وتأثيرها على الأسرى، ممّا يؤكّد على خطورتها، وخاصّة أنّها وضعتها على مسافات قريبة من نوم الأسرى، وفى نفس الوقت أبعدتها عن مكان تواجد عناصر الإدارة والسّجّانين.
وقد اقتحمت الوحدات الخاصّة كلّ أقسام سجن النّقب خلال الأسابيع الماضية، ونفّذت حملات تفتيش وتنكيل وتخريب في أقسام الأسرى بهدف الضّغط عليهم للقبول بهذه الأجهزة، كما تتواجد الوحدات الخاصّة بكافّة أشكالها ومسمّياتها بشكل دائم قرب أقسام الأسرى على استعداد لاقتحامها في أيّ لحظة.
وقد وصل تركيب الأجهزة إلى سجن “ريمون” الأمر الذى دفع الأسرى الى إحراق غرف قسم 1 بالسّجن وواجهتهم الإدارة بالقمع حيث أصيب العشرات منهم برضوض واختناق بالغاز.
ولقد أعلن الأسرى بدورهم بشكل قاطع عن رفضهم لإتمام هذا المشروع الخطير الذى يستهف صحّتهم ومنجزاتهم، حيث تعيش السّجون وتحديدا سجون الجنوب ( النّقب- نفحه- ايشل – ريمون) حالة توتّر دائمة منذ بداية تركيب هذه الأجهزة، والأوضاع هناك على حافّة الانفجار، وقد أقدم الأسرى على حلّ الهيئات التّنظيميّة في السّجون الأربعة، وامتنعوا عن الخروج للعمل في لجان السّجن المختلفة كخطوة أولى ضمن ترتيبات مواجهة سياسة الاحتلال، وقد تصل الأمور إلى حد الإضراب المفتوح عن الطّعام خلال الفترة المقبلة.
تعتبر المرحلة التي يعيشها الأسرى هذه الأيّام من أخطر المراحل التي مرّت بها الحركة الأسيرة، ويريد الاحتلال إعادة الأوضاع في السّجون إلى عهد السّبعينات بمصادرة كافّة حقوقهم، وفرض قوانين إجراميّة تعسّفيّة بحقهّم وأخطرها أجهزة التّشويش، وهذا يتطلّب من الجميع مساندة الأسرى في معركتهم ضد السّجّان، بكلّ الوسائل والإمكانات، وعدم تركهم في المواجهة لوحدهم.