
بقلم : بسمة أيمن عنان
اشتدّت آلام المخاض على زوجته لتعلن قدوم المولودة الثّانية لكليهما، “وهزّي إليكِ مزيدا من الصّبر” هذا لسان حال الأسير لزوجته في تلك اللّحظات، بيد أنّ أسوار سجنه بدأت بالاشتداد عليه شيئا فشيئا كحبل مشنقة تدور على رقبته.
سترى مولودته النّور ولن تسمع أذان الولادة بصوت والدها ولن تجد من سيمنحها اسمها.
أمّا أمّها فقد افتقدت يدا تشدّ عليها عند اشتداد آلام الولادة.
هكذا جاءت لين ابنة الأسير عماد الصّفطاوي المحكوم عليه ثمانية عشر عاما.
كم هو صعب أن تكتفي برؤية ملامح أبيها ببضع صور ساذجة تضع الملح فوق الجرح، وتزيد لوعة الفراق.
أتساءل عن شعور طفلة تكبر أعواما ولم تجد حتّى الذّكرى لتؤنسها في غياب والدها، فهي ترى الحياة ألوانا باهتة ومذاقا مرّا.
وبدأت أسئلتها تدقّ في تابوت الفقدان: أين أبي؟ لماذا هو في السّجن؟ كيف؟ والسّؤال يتبعه آخر حتّى تثاقلت الهموم على كاهل أمّها، لكن عليها الآن أن تروي لها بطولة أبيها وقصّته وإخبارها بأن تفخر بأبيها وألاّ تحزن، نعم هي ابنة أسير محكوم بثمانية عشر عاما وهذا يكفي لترفع رأسها عاليا.
زوجة الأسير هي الأمّ والأب لأطفالها، هي السّلوان لزوجها، تمدّ بين أطفالها وزوجها حبلا من الذّكرى لا ينقطع إلى حين خروج زوجها الأسير.
ونراها في غياب زوجها تعتني بأبنائها أحسن العناية، تكمل تعليمهم، تغرس في قلوبهم أنّ المحتل زائل وأسوار السّجن ستزول ويخرج أبوكم، الفلسطينيّة من الصّعب أن تلين، حتّى في غياب زوجها تزداد صلابة وقوّة، فهناك رسالة وأمانة عليها أن تبلّغها.
وفتحت السّجون أبوابها بإرادة عماد وصبره، الذي لطالما حدث صور أبنائه ومازحها، لطالما بكى بعدما استيقظ من حلم كان يجمعه بأبنائه وزوجه.
الأسر من بدايته إلى حين الخروج منه صعب بكلّ أيّامه بل ولحظاته، فالأيّام فيه كأنّها سنون طويلة.
وأكثر ما يوجع قلبك هو قول لين ابنة الأسير عماد أنّها عند استقبال والدها كانت صوره دليلها في تذكّر ولو بعض ملامحه.
في فلسطين قد نعيش سنين عجاف على ذكرى لتأتي أعوام فيها تغاث قلوبنا وتحيا تلك الذّكرى لتصبح حقيقة.