أشبالنا الأسرى

رسالة أمّ إلى ولدها في ليل النّقب

بقلم : ريهام أبو عيّاش

“أي بنيّ؛ ما زال هذا اللّيل يا ولدي يقضم كلّ أجزائي.. وإنّه لطويل طويل، لكنّه الصّبر وقود الطّريق، فاصبر فإنّ لكلّ حرّ من المحنة نصيب يبتلى به الماضون إلى ربّهم؛ من صدقوا فاصطفاهم لنفسه وخصّهم بفضله.. فكانت بالمحنة منحة، وفي السّجن حرّيّة،

صناعة ربّانيّة لأجل مرحلة فاصلة أنتم لها جنودها وأنفسكم هي الميدان الأوّل فكان الإعداد على قدر المهمّة.. وكلّ أذى مناط بسبب، فلا يغرنّك المتهالكون من سقطوا على ما لم يسطيعوا عليه صبرا.. المنقادون إلى الدّنيا بذل النّاصية.. من بخست تجارتهم وخابت.

أي بنيّ؛ لقد بلغني عنك الكثير بأنّك عارٍ جائع في العزل وحدك.. بينما تفرّق الإخوان في تلك السّجون وتشتّتوا، فويح قبح سجّانك أليست السّجون كلّها مقابر؟

فلا تبالي والرّفاق بما يصنعون، فإنّ شرف المقاوم يبقى ويزول طارئ الجوع والظّمأ.. ولابدّ لهذه الدّائرة أن تدور إذ ينسج الأعداء في هذا بوار مصيرهم والهلاك.. “فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض.”

إليك يا ولدي وقلبي إذ انفطر ببعدك ابتهج بأن كنت رجلاً في صفوف السّائرين إلى رحاب القدس.. تماما كما ينبغي لك أن تكون ككلّ زيتونة وحجر وشجر.. وهو قدر كلّ أمّ فلسطينيّة أن تنجب الأبناء ولفلسطين يكون الفداء.. وإنّي على طول فراقك محتسبة راضية أصبر؛ ولا على وهنك وضعفك أجلد لحظة واحدة..

ولتعلم بأنّ فجر الحرّيّة وشيك.. نعم لقد رأيت البارحة في حلمي أباك يخبرني بأنّك عائد عمّا قريب، يخبرني بأنّ أوان حرّيّتكم آن.. كيف لا؟ وعلى الجبل الرّماة برحوا مواقع لهم تشدّ أزرهم تنبؤهم أنّ النّصر صبر ساعة لا عن هدي الحبيب تخلّفوا، تحثّهم إذ العدوّ خلف الجبل بهم تربّص.. وفي واديه دنيا إليهم ترنو بهم تنادي.. وهم عنها يصدّون شعارهم “ربّنا أفرغ علينا صبرا وثبّت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين” وإن كان خلف الجبل وبالوادي ألف متخلف متخاذل.. وخلف تلك الرّايات قوم تركوا سبيل دينهم إلى دنيا فخلفوا..

لأجل ذلك كونوا على قلب رجل واحد وجسد واحد من إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره للسّهر والحمّى.. ولا يشغلنّكم من خلفكم فإنّ المؤمن إذ يجود بما هو غال لمن هو أغلى وأعلى، والدّعوة يا ولدي تستوجب رجالاً اشدّاء لا يخافون في الله لومة لائم.. أمام عدوّ ضعيف؛ لا يملك وأد الفكرة ولا هدم الجبال الرّاسيات.. وأنّى له أمام صفوفكم من أمره شيئا إذا بحبل الله تمسّكتم وما تفرّقتم على منصب أو حزب وغاية.. فاثبتوا أيّها الأحرار فهذه معركة أمّة كاملة وليست معركتكم وحدكم.. أمّة عقدت على عزمكم كلّ اليقين..

وإن الله متمّ أمره وناصر جنده ومنجز الوعد الذي به وعد..

فثبّت المولى خطاكم جميعا وأقرّ بالعود الميمون عيوننا؛ ذهب الأسر وثبت الأجر بإذنه تعالى :”ويقولون متى هو فقل عسى أن يكون قريبا.”

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى