
بقلم حازم الفاخوري
بالرغم من مرور ما يقارب اثنين وعشرين عاما من شراكتنا المقدسة ورباطنا الذي وثقناه بعرى إيماننا وحبنا لله جل في علاه،ومن اللحظة الأولى التي التقيتها فيها وأنا يوميا أكتشف فيها أمورا جديدة، أمورا قلما تجدها في امرأة، صفات في شخصيتها لا تجدها إلا في نساء كان لهن بصمة في صناعة التاريخ والتأثير في مسار حركته.
أثناء وجودي في الأسر وقعت يداي على كتاب يتحدث عن سيرة أمنا عائشة رضي الله عنها وبدأت أتصفح الكتاب، كان يتحدث عن قوة شخصيتها وبلاغتها وأدبها ورجاحة عقلها وحبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرتها عليه، كنت كلما أطالع موقفا لأم المؤمنين أستذكر لمى، وكأنه يتحدث عن كثير من المناقب والمآثر الموجودة فيها ، كنت أرى كثيرا من التطابق والتشابه بين شخصيتهما ، وعندما أحدثها في هذا الأمر كانت تتبسم وتقول لي أنّى يكون لي أن أكون مثل ظفر عائشة رضي الله عنها، وهي بالإضافة إلى أنها زوجة مخلصة رائعة أديبة مفكرة ملهمة، وقبل كل ذلك هي إنسانة ذات رؤية ثاقبة لها رأي في كل أمر، وموقف من كل قضية، وهمة ونشاط وفعل في كل موقف، فهي لم تكتف بالكتابة والتنظير من خلف الشاشات، كانت دائما السبّاقة بالفعل في كل الميادين وأينما وجدت نفسها ملزمة أن تكون موجودة، حيث كانت تتخذ من شعر أحمد شوقي والذي يقول فيه:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا إن الحياة عقيدة وجهاد
شعارا لها.
ورغم اعتراض البعض على بعض مواقفها وآرائها إلا أني كنت أكتشف دائما -ولو فيما بعد- أن رأيها سهم يصيب الصواب، فهي تمتلك حدسا وبعد رؤية ونظرة ثاقبة للأمور .
كانت دائما تنافح وتدافع عن رأيها وموقفها دون أن يعرف الخوف أو التعب لها طريقا، تجدها دائما صامدة قوية أمام أعتى قوة أو جبروت، وهذه حقيقة عشتها معها لحظة بلحظة وموقفا بموقف، وأذكر هنا على سبيل المثال موقفا حصل معها من مئات المواقف التي أستذكرها، يوم أن جاءت إلى بيتنا قوة كبيرة من الأجهزة الأمنية لاعتقالي بهدف الضغط عليها وإخافتها وجاء معهم أكثر من خمسين مسلحا بعضهم ملثمون وبعضهم ضباط كبار، وبعد رفضها فتح الباب لهم قاموا بكسره، وواجهتهم بعنفوان كبير صارخة في وجوههم أن يخرجوا من البيت، وحينما كانوا يتوعدونها بالاعتقال واحضار قوات نسائية لاعتقالها ردت على الضابط: أحضر كل قواتك التي تعرفها فلن تسكتني وسأبقى أقول كلمة الحق مهما كلف ذلك من ثمن…
أذكر أيضا عندما زارتني لمى للمرة الأولى في سجني في أحد المقرات الأمنية وقف معظم افراد الجهاز وضباطه للتعرف عليها، وتساءلوا: من هي هذه المرأة القوية التي تتحداهم وكيف تجرؤ أن تأتي للمقر دون خوف أو وجل؟.
لمى كانت قضيتها دائما كل المعتقلين وكل المظلومين حتى أنه حينما حدثها أحد الضباط بعد الإفراج عني ليسجل عليها موقفا بأننا ها نحن قد أفرجنا عنه ردت عليه قائلة: ليست قضيتي معكم قضية شخصية، إنما قضية كل أسير، وكل معتقل سياسي، وكل مظلوم في سجونكم، أوقفوا التنسيق الأمني وأفرجوا عن كل المعتقلين السياسيين الذين وقفوا في صف أبناء شعبهم ووقتها فقط سأشكرك.
واليوم تقف لمى وأخواتها في محبسها قوية شامخة، تصنع حولها بيئة نفسية مريحة وجوّا أخويا لكل الأسيرات، لتمدهم بالعزيمة والقوة لمواجهة أعتى وأظلم طغيان على وجه الأرض، لأنها لمى التي لا تنهزم، لمى الإنسانة والثائرة.