الضفة الغربيةشؤوون الأسرى

لمن سأعود يا أماه؟..

 

بقلم: ريهام أبو عياش

 

“لِمن سأعود يا أماه إذا ما عدت من أسري؟ .. ومن في البيت حين أطل ذاك اليوم يلقاني؟..

لمن أنا أحسب الأيام وهي تفرُّ من عمري؟ ..ومن سيعانق الصدر الذي بالشوق أعياني؟..

انا إن عدت يا أُماه سوف أكون في الغربة ..أفتش عنك في أهلي فلا ألقى سوى الخيبة..

فتجذبني بقايا ما حلمت به من القربى.. لأجثم عند قبرك ناحباً لآخر التربة.. 

بهذه الكلمات المثقلات بآلام الغربة والسنين الغابرات كنسبلة قمح مذعنة لتراقص الإعصار فوق جراحها، رثى الأسير المحرر حازم مسلماني أمه؛ التي انتظرت خطاه على باب منزلها طويلا، إذ انقضى عهد الظلام وبدا له الفجر ساطعا.. 

كان يرقب اليوم بعد اليوم وينتظر صباحاً يجمعه بأمه على مائدة واحدة، دون أن يدري أن الأجل كان لها أسرع.. خرج فإذا الوجوه شاحبة، أركان البيت خاوية باردة حتى كأن طائفاً بها قد طاف، قد غطى غبار الانتظار الطويل عتبة المنزل، و سجادة صلاتها مازالت في مكانها تغيرت معالمها على طول الركوع والسجود والبكاء، لقد أحصى الليالي ناظراً وجهها الصبوح فإذا به يأفل لغير عودة، فيغدو مزاره تراب قبرها الطاهر ، على رأسها يشكو وجعه ويبث لها همومه، تمنى لو أنّ قميص يوسف به مرَّ فأعادها له بعد طول غياب، عاد وفي نفسه توق الصغير إلى حضن أمه الوسيع، تربت على كتفيه، تشعره برغم مرارة العالم حلو الحياة.

فويح هذا العالم البائس يا أماه ما أقساه ؛إذ كيف له ألا يسمع كل هذا الضجيج الصارخ في مقلتيك، كيف لا يبصر وجهك المتعب، وراحتيك المليئتين بالرجاء، كيف له لا يشفق لوجعك أو يرحم؟، وهي برغم ذلك كانت صابرة محتسبة تتلمس في سمعها بقايا صوته بعد كل زيارة، تستودعه الله وتسأله الثبات له وإخوانه، توصيهم أن يظلوا على قلب رجل واحد إذا ما كان العدو واحداً. 

غادرت تحتضن صورته باكية تبرّ قسمها وفاءً له حتى في أصدق اللحظات وأخلصها.

أم حازم امرأة فلسطينية جديدة تموت على طريق الحسرة ولوعة الفراق؛ تغادر الدنيا لربها شاكية وقد كان بالله عزّ وجل أملها وبرجال فلسطين الأوفياء؛ كانت ترد دائماً على كل من يحدثها عن أمل يرجى بالمفاوضات تقول : “هذه طاولات وهمية بدك السراب يصير مي؟ كيف؟ والله لو بتمشي مية سنة ليظل سراب، كلها عالفاضي لا بترجع أرض ولا بتقلع شوك ولا بترجع الغالي، الحق يا وليدي ما بتعيده غير البارودة”.. 

حكمة اختصرت لنا آلاف السطور فأحسنت.

فالرحمة لك أم الصابرين والعزاء لحازم، طبت في جنان الخلد مستقرا ومقاما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى