
بقلم : بهيّة النّتشة
في درب طويل يبحث الكل حولك عن أولوياته ستكتشف مرة تلو المرة أنك لست أولوية أحد سوى ذلك الذي كتب له الله أن يغيب في السجن!
ستطرق في كل مرة باباً وأنت على حذر، وأنت ترى أمامك كل المرات السابقة التي خُذلت فيها، ولكنك تدق بابهم مرة أخرى فقط لأنك بحاجة، لأنك مضطر!!
ولكنك تضع احتمال ٩٠% أنهم سيخذلونك مرة اخرى وأنك ستعود لتخلع شوكك بيدك…
كنت أتضايق بل أفجع في البدايات ولكنني اليوم أعلم الحقيقة…
قد أذرف دمعة عندما أشاهد أبنائي يلعبون مع أبناء الجيران أو أبناء عمومتهم، والوالد يدعم ابناءه ويجامل أبنائي، أذرف دمعة على عجل لأن أبنائي يمرون بهذا الموقف، وأمضي فلا مكان للبكاء إن أردت أن أعيش!
في كل مرة أتخيل مشاعر عبادة عند ذهابه للمسجد وحيداً في صلاة الجمعة، يطالع الأبناء في أحضان آبائهم!!
في دخوله للعزائم والمناسبات وحده، أشجعه عند الباب وأبسط له الأمر ثم أدخل عند النساء، فيَدخُل بقلب لا يمكن لكلمات أن تصفه…
في المرات التي بكى فيها بلا صوت -كما يصف- شوقاً لأبيه فيرى وجهه في الغيوم يبتسم له…
عباده الذي لا يكثر الحديث ولا يتقن التعبير عن مشاعره، البريء براءة يشهدها الجميع…
عبادة الصامت الذي لم يعبر عن حزنه لغياب والده الا بعد شهرين كاملين حيث قال: أتعرفين ما أتمنى يا أمي؟
أتمنى لو أعود “للمول” فأضم والدي وأقول له: لا تتركنا!!!
كلماته هذه التي لم أتمنى سماعها يوماً…
كلما تذكرت هذه المشاهد واستشعرت هذه المشاعر أكاد أجن، ولكنني سرعان ما أذكّر نفسي في كل مرة أنني أمام تحدٍ جديد..
ومريم تلك التي تؤنبنا إذا ضحكنا في اجتماعاتنا وتقول لي بعد أن تأخذني جانباً: كيف قادرين تضحكوا وبابا مش معنا!!
في كل تلك المرات التي شكت لي مشاعرها عندما ضم والد أحد اقاربنا أبناءه، أو كيف كانت تتمنى لو اصطحبها والدها من المدرسة كما يفعل بعض الآباء…
أما أنا فلست بمنأى عن كل هذا، فقد تصادفني أبكي في المؤسسات مع شخص غريب، وأنا أقدم أوراقي حيث لم أجد أحدا من أقاربي معي..
ولكنك حتماً ستراني وأبنائي أيضاً بتلك القوة وذات البسمة لأننا نفضنا أيدنا من الجموع وسلمناها لله وحده..
شعور جميل هو شعور التخلي والاستغناء ولكنه قاتل جداً إذا فكرت فيه وقت حاجة أو ضعف…
في مرات كثيرة، كثيرة حقاً هي أعظم من أن توصف كان لغياب السند فيها الأثر العظيم علينا وربما كانت أصدق مشاعرنا تلك التي لم تكتب بعد…
ربما تكون كلماتي ليست مناسبة إذا قلت: “لله المشتكى” وأنا أشكو هنا، ولكني أريد أن لا يعتبر بثي هنا شكوى بل عبرة لكم أن تتصدقوا من أوقاتكم لعائلة الأسير ما أمكن..
مثال:
استيقظت يوم الأربعاء في موجة حر في رمضان…
لم أجد نمر سيارتي “سرقت”
تخيل أن لا تجد من كل اقاربك من الدرجة الأولى من يسندك فتذهب لمن هو أبعد فيرسل معك مشكوراً شاباً غريباً يساعدك في تقديم الشكوى في المحكمة، عند القاضي وفي المباحث والمرور ودائرة السير، ويصدف أن أكون على عجل وفي حال ضياع فيتصل أسيري فأمسك الهاتف لأخبره مصابي فيوقفني شرطي ليخالفني، أحاول أن أبيّن له أمري، فيتوقف غريب آخر يعرفني فيحاول مساعدتي ثم أطلب منه مشكوراً أن يذهب في حال سبيله خجلاً منه، وأبدأ بالبكاء الذي وللأسف لا املك أن أوقفه…
فأبكي بعدها في المؤسسات وأنا أسلم الأوراق، كل تفاصيلي تتصرف كشخص طبيعي ولكن دموعي تخذلني، أعتذر من الغريب الأول الذي يرافقني فيطلب مني أن أذهب للسيارة ويكمل هو الإجراءات..
عندها بكيت عن شهور طويلة منعت فيها دمعي الذي أثقلني وصرت أمرض إذا زارني، بكيت في سيارتي التي سرقت نمرها، سيارتي التي كانت من آخر الأشياء التي بقيت لي من حياتي السابقة مع ماهر، أغلقت الزجاج جيداً وارتفع صوتي في البكاء…
كم تكررت كلمة ” بكاء ” بين السطور…مقزز هو هذا الشعور!!
بعد أيام طويلة يُعرف السارق، فيسعى كل من سُرق له نمرة من جيراني للسعي وراء نمرته، ويحقق في الأمر وأنا وحدي…
طرقت عدة أبواب من أقاربي فلم يسعفني أحد..
“هنا ابتسم أسفاً وأنا أكتب هذه الكلمات”
لست حزينة من أحد منهم فهذا حال الدنيا كل يغنّي على ليلاه، وأنا سأنتظر فرج الله!!
وزوجي الذي في سجنه يتلوّى لحالي لا يملك لي حلاً!
ليست هذه أول مرة ولا آخرها فكلٌ لا يرى همك، أو أنه يساعدك مرة وينساك عشراً…
شكراً لهم جميعاً فقد جعلوني أفقه الحياة في سنٍ مبكرة وأنفض يداي منها…
اليوم ولآخر يوم في عمري لن أنتظر من هذه الدنيا إلا عودة ماهر لنعامل كل من قصر معنا بأخلاقنا ونستقبله بكرمنا ونمد له أيدينا بالمساعدة ليس لشيء إلا لأن الله خلقنا أنقياء…
ولازلت أدعو أن لا يغير الله روحي بعد كل ما مرت به، أن تبقى تحب الخير للناس وتسعى لجمع كلمتهم وتقديم الود والمساعدة لهم…