تصفح العدد الاخيرمذكرات أسيرواقع السجون

حكاية أسيرة.. صدمة الاعتقال

 

بقلم : سوزان عويوي 

عدت من جولة على مرافق البلدية- بلدية الخليل- وأنا إحدى أعضاء مجلسها- حوالي الساعة الثانية والنصف فجراً يوم الثلاثاء ٥/٦/٢٠١٨ الموافق ٢٠ رمضان …كنت متعبة وطلبت أن توقظني عائلتي على صلاة الفجر …دقت الساعة الرابعة فجراً فإذا بمنبه جوالي يرن مع دقة ابنتي على الباب، مع قدوم اتصال على هاتف زوجي، كان الأمر مفزعا … رد زوجي على هاتفه فإذا بصاحب بيتنا المستأجر السابق على الطرف الآخر، وأخبره أن جيش الاحتلال قدم إلى البيت وسأل عنا ..أدركت ساعتها بأنهم تاهوا في العنوان، وأنهم سيأتون بأحد من أقاربي ليدلّهم على بيتنا، وبالفعل فقد ذهبوا إلى بيت والدي واعتقلوا أخي ساعتين تقريبا ليرشدهم إلى بيتي -أفرجوا عنه بعد اعتقالي- قدمت قوات كبيرة إلى البيت حوالي الساعة ٥ فجرا ..كانت آليتين عسكريتين لا يقل استيعاب الواحدة منها عن ١٢ جندي إضافة إلى جيب عسكري أصغر، ما أن دقوا الباب حتى فتح لهم زوجي حرصا على أن لا يحدثوا جلبة وفوضى في العمارة، انتشروا سريعا في أرجاء منزلي الصغير …وقف كل جندي في زاوية، وكان عددهم كبيرا في البيت الصغير.

لحق بهم قائدهم ( الضابط مفيد) ومعه أخي مقيدا…طلب هوياتنا الشخصية، ثم اصطحبني وزوجي وجندي آخر إلى غرفة الجلوس، بدأ بطرح أسئلة بسيطة سريعة تأكد فيها من هويتي، وسألني إن كنت أتناول أي أدوية؛ فافزعني السؤال لأني أدركت لحظتها أن الأمر فيه اعتقال -حسب خبرتي بالأمر من اعتقالات إخوتي السابقة، واعتقال آخرين من أزواج صديقاتي، ومن مقابلات كنت أجريها مع محررين- حتى تلك اللحظة كنت مضطربة، لا أدري ماذا حدث في ذلك الوقت، وكأن سكينة سكبها الله في قلبي؛ شجعتني على مواجهة الأمر بكل رباطة جأش لا سيما أن زوجي وابني حذيفة وابنتي وعد كانوا يقفون أمام الغرفة، إضافة لوصول أبي للمنزل وأخي الذي أحضروه معهم.

طلب الضابط من المجندة أن تدخل معي لغرفة نومي لأبدل ملابسي وتعرضت وقتها لأول تفتيشٍ عارٍ …

ارتديت ملابسي وأخذت حقيبة وضعت فيها بعض الاحتياجات البسيطة بناءً على نصائح أخي صاحب ١١ عاما في الاعتقال، ودَّعت أبي وزوجي، وأيقظوا ابني قتيبة الذي استفاق فزعا من مشهد الجنود وكل تلك الفوضى في المنزل، ودعته وأنا ألاحظ ملامح الصدمة على وجهه الصغير، قبّلتُ وعد وحذيفة وقد ملأت الدموع وجهيهما، كان الجميع واجما…اقتادتني المجندة لخارج المنزل وبدأت نزول درج العمارة

-فهم يخافون استخدام المصعد-

وصلت الآلية العسكرية الأولى وأعادوني إلى الثانية ثم مشيت مسافة قبل أن أصل الثالثة، وعلى باب الآلية تم تقييدي بالسلاسل الحديدية وتم تغميض عينيّ، صعدت درج الآلية مغمضة العينين، أحدهم دفعني؛ فوقعت أرضا وأصيبت ركبتي برضة عانيت منها طويلاً، سارت الآلية مسافة طويلة ثم نزلت لأجد نفسي في أحد المعسكرات قرب مستوطنة شرق الخليل، ومكثت فترة ليست بالقصيرة -صليت الضحى وقتها- ثم اقتادوني لمركز آخر، وهناك ساورهم شك بأني أرى الضوء من خلال تلك العصبة القماشية على عيني فأضافوا أخرى فوقها، ثم سارت الآلية طويلاً لأجد نفسي في معسكر آخر، قدم أحد الجنود إليّ في آليتهم وسألني أسئلة عن حالتي الصحية فقالوا لي أن هذا هو الفحص الطبي، أنزلوني بعدها وأجلسوني على كرسي صغير ووجهي للحائط وعينيّ معصوبتين، جلست ما لا يقل عن نصف ساعة حسب تقديري قبل أن تأتي مجندتين، ادخلوني لمكان أشبه بغرفة لمحابس المياه أو مخزن… كان المكان قبيحا جدا وفيه تعرضت للتفتيش العاري الثاني، خلعوا ما ارتدي من مصاغ ووضعوها في كيس رمادي اللون ثم فتشوا ثيابي بطريقة مجنونة قبل أن أُعيد ارتداءها… ومن ذلك المكان خرجت مغمضة العينين إلى أول بوسطة؛ وهي عبارة عن سيارة شبه شاحنة صغيرة، المقعدان الخلفيان عبارة عن زنزانتين حديدتين منفصلتين تماما .. صغيرة جداً بحيث لا أستطيع التحرك لا يمينا ولا يسارا… سمعت بعدها أن شخصا آخر دخل الزنزانة المجاورة وعرفت بعدها من خلال حديث مقتضب أنه شاب من مدينة دورا قضاء الخليل .

سارت بنا البوسطة نحو ساعتين ثم توقفت، أخبرني الشاب أننا وصلنا لمركز تحقيق وتوقيف عسقلان ..وهنا بدأت رحلة العذاب ….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى