
بقلم : رياض الاشقر
سياسة الاعتقالات التي ينفّذها الاحتلال في كلّ أنحاء الأراضي الفلسطينية أضحت حدثا يوميّاً ملازما للشعب الفلسطيني، وأداة من أدوات القمع التي يلجأ اليها لمحاربته، والتأثير على مقاومته، ووسيلة للعقاب الجماعي، حيث لا يمر يوم إلا وتسجّل فيه حالات اعتقال.
أكثر من (2600) حالة اعتقال تم رصدها من قبل مركز أسرى فلسطين للدراسات خلال النصف الاول من العام الحالي، طالت النساء والأطفال والمرضى والأسرى المحرّرين وكبار السّنّ، والصّيّادين، ونوّاب المجلس التّشريعي، إضافة إلى (94) حالة اعتقال من قطاع غزّة العشرات منهم من الصّيّادين، والشّبّان الذين تجاوزوا الحدود الشّرقيّة للقطاع.
وأصدرت محاكم الاحتلال خلال 6 شهور الماضية (432) قراراً إداريّاً، منها (138) قرارا إداريّا لأسرى جدد للمرّة الأولى، غالبيّتهم أسرى محرّرون أعيد اعتقالهم و(294) قرارا بتجديد الفترات الاعتقالية لأسرى إداريّين لمرّات جديدة، تراوحت ما بين شهرين إلى ستة أشهر، ومن بين من صدرت بحقّهم قرارات إداريّة نوّاب وأسرى محرّرون وقادة فصائل ونساء وأطفال وذوو احتياجات خاصّة.
و شهد النّصف الأول من العام 4 حالات اعتقال استهدفت نوّابا في المجلس التشريعي وهم النائب “إبراهيم محمد دحبور” (54عاما)، من جنين، والنائب الشيخ “محمد محمود أبوطير”( 67عاما)، من البيرة، علماً بأنه أمضى ما يزيد عن 33 عاماً من عمره في سجون الاحتلال، والنائب “حسن يوسف” (63 عاما) من رام الله، والذي أمضى 21 عاما من عمره خلف القضبان، والنائب “حاتم رباح قفيشة” (59 عاماً) ، وكان أمضى ما يزيد عن 12 عاما في الاعتقال .
ويستهدف الاحتلال نساء فلسطين بالاعتقال والأحكام المرتفعة، حيث رصد التقرير (70) حالة اعتقال لنساء وفتيات فلسطينيّات بينهن قاصرات وجريحات، معظمهنّ من مدينة القدس، بينهن القاصر “ولاء غيث” (16 عاماً) من الخليل، والفتاة “علياء خطيب” من طولكرم بعد إطلاق النار عليها بشكل مباشر وإصابتها بالقدم على حاجز زعترة جنوب نابلس إضافة الى زودات وأمّهات أسرى في سجون الاحتلال خلال زيارة أبنائهنّ.
وطالت الاعتقالات المسنّة الحاجّة” فوزية مراعبة” (71 عاماً) من قلقيلية، رغم أنّها تعاني من السكري والضغط، وضعف في عضلة القلب، وأطلق سراحها بعد يومين.
وخلافاً للقانون الدولي الذى جعل اعتقال الطفال الملاذ الأخير، فان الاحتلال جعل من استهداف الاطفال بالاعتقال وإطلاق النار أولوية لجنوده حيث بلغت حالات الاعتقال بين الأطفال خلال النصف الأول من العام الجاري (410) حالة، بينهم الطفل “نادر حجازي” من مخيم بلاطه بنابلس والذى لا يتجاوز عمره 3 سنوات فقط، والطالب في الصف الثاني الابتدائي” زين أشرف ادريس” 7 سنوات من داخل فصله بعد اقتحام مدرسة زياد جابر الابتدائيّة وتمّ اطلاق سراحه بعد ساعات من التحقيق، كذلك الطّفل “محمد ابو مسلم” 8 سنوات من مدينة البيرة، والطّفل “موسى رمضان” (9 أعوام) على حاجز عسكري في شارع الشهداء بمدينة الخليل.
كذلك ارتفعت قائمة شهداء الحركة الأسيرة إلى (219) شهيدا بعد أن ارتقى شهيدان جديدان خلال العام الجاري وهما الأسير ” فارس أحمد بارود” (51عاماً) من غزة نتيجة الإهمال الطبي الذي مورس بحقّه خلال سنوات، وقد أمضى 28 عاماً خلف القضبان، وكان يعانى من مشاكل في الكبد، وأهمل الاحتلال علاجه ومتابعه حالته إلى أن تراجعت صحته بشكل خطير ونقل إلى مستشفى سوروكا حيث فارق الحياة، والشهيد الجريح “عمر عوني يونس” (20 عاماً) من قلقيلية، الذي أصيب بجراح خطرة، على حاجز زعتره جنوب نابلس، بعد إطلاق النار عليه واعتقاله ونقله إلى مستشفى “بيلنسون”، حتى أعلن عن استشهاده بعد أسبوع من اعتقاله.
وصنّفت الشّهور الأولى من العام الجاري بأنها من أقسى الشهور على الأسرى وتحديداً في سجن النقب، الذى شهد حملة قمع وتنكيل غير مسبوقة، بعد احتجاج الأسرى على تركيب أجهزة التشويش الضّارة، وأصيب ما يزيد عن 120 أسيرا بجروح بعضها خطيرة وأخرى متوسّطة، بعد أن تعرّضوا للضرب العنيف وإطلاق النار الحي والرّصاص المطاطي والغاز السّامّ، ورفض الاحتلال تقديم العلاج اللاّزم لهم، وأبقاهم مقيّدين دون ملابس أو أغطية لمدّة يومين كاملين، وسحب كلّ الأغراض من القسم.
كذلك كان الاحتلال قد ارتكب جريمة أخرى خلال شهر يناير بحق الأسرى في سجن عوفر، حيث اعتدت قوّاته على الأسرى بالضرب ورشّ الغاز وإطلاق الرّصاص المطاطي، الأمر الذى أدّى إلى إصابة أكثر من 100 أسير منهم برضوض وجروح وكسور واختناقات.
وحقّق الأسرى خلال شهر نيسان انتصاراً جديداً في معركة الكرامة 2 حيث وافق الاحتلال على معظم visit مطالبهم، وفى مقدّمتها تركيب هواتف عموميّة في أقسام الأسرى خلال الفترة القادمة ووقف العقوبات التي فرضت عليهم قبل أن يشرعوا في تصعيد موسّع، وذلك من خلال عدّة جلسات من الحوار مع مسؤولي جهاز الشّاباك.
وتعتبر عمليّات الاعتقال المستمرّة استنزاف بَشريّا للشعب الفلسطيني الذى ذاق مراره الأسر منه ما يقارب المليون فلسطيني بكافّة فئاته وشرائحه، حيث يعتقد الاحتلال بأنّ عمليّات الاعتقال المستمرّة ستؤدي إلى ردع الشعب الفلسطيني، ومنعه من الاستمرار في المطالبة بحقوقه التي سُلبت، وأرضه التي احُتلّت، ومقدّساته التي صُودرت، ولكنّ التاريخ أثبت بأن هذه السياسة لم تفلح في ثني الفلسطينيّين عن الاستمرار في مقاومة الاحتلال بكلّ الوسائل مهما بلغت التّضحيات.