مذكرات أسيرواقع السجون

المحرّر ثائر حلاحله…مع ذاكرة الأسر (2)

من العرس...إلى الاعتقال الإداري

بقلم: ثائر حلاحله

 

وبعدها تمّ نقلي إلى معسكر عتصيون الاحتلالي المقام على أراضي أهلنا في بيت امر شمال الخليل المحتلة، ومنذ تلك اللّحظة أبلغت ضابط المعسكر ومركز التوقيف في عتصيون أنّي مضرب عن الطّعام حتّى أعرف سبب اعتقالي وهل أنّي معتقل قضيّة أو تهمة أو أنّه اعتقال إداريّ؟ فأجانبي الضّابط “لا يعنيني كلامك بشيء”، وقام بدفعي وأدخلني غرفة رقم واحد، حيث كان العديد من الأسرى الجدد المعتقلين من أيّام من مناطق الخليل وقراها وبيت وقراها… سلّمت عليهم وتعارفنا وصلّيت الفجر وقد كنت في حالة تعب وإرهاق وبرد، ونمت حتّى جاء موعد العدد الأول، والعدد بطريقة مهينة حيث تكون واضعا يديك للخلف ورأسك منخفض للأسفل وأن تصرخ وتقول اسمك. رفضت فقاموا بالهجوم عليّ والصّراخ والسّباب ثمّ انصرفوا. في السّاعة العاشرة جاء أحد الجنود ذو بشرة حمراء يبدو أنّه من المستوطنيين القادمين من جمهوريّات الاتحاد السّوفييتي السّابق وبيده ورقة، وفتح نافدة في باب الزّنزانة صارخ بصوت وسباب “أين ثائر حلاحله؟ كنت مستلقيا في برشي اي سريري، ثمّ واصل “جهّز نفسك إنت منقول لسجن عوفر” …

فعلا بدأت المعاناة الجديدة مع النّقل عبر ما يسمّى بالبوسطة التي تعرف بين الأسرى بالمقبرة المتنقّلة بعد إجراءات التّفتيش والدّفع والصّراخ وتقييدي وتغميض عيوني بقطعة وسخة من القماش. تحركت البوسطة نحو سجن عوفر القريب من رام الله والمقام على أراضي أهلنا في بلدة بيوتنا، وصلنا وتمّ التّسليم حسب ما هو متعارف عليه من قبل قوّة من حرس الحدود المعروف بالعبري “مقاف” إلى ما تعرف وتسمى مصلحة سجون الاحتلال التابعة لوزارة الأمن الداخلي التي يرأسها الإرهاربي المتطرف جلعاد اردان الذي طلب بإعدام الأسرى وقتلهم. 

وهنا بدأت رحلة قهر وأذى جديدة من التّنكيل والتّفتيش كما تمّ عرضي على ما يعرف ضابط استخبارات السجن الدرزي العربي -للأسف- عقل، فبدأ يهدّد ويتوعّد إذا أكملت الاصراب أو مارست أيّة نشاطات أو حرّضت على إدارة السّجن، فالتزمت الصّمت وواصل متّهما إيّاي أنّي متطرّف وإرهاربي وعنيف. 

وبعدها تمّ إدخلي لقسم 14المعروف بالمعبار وإلى غرفة 10 التي عشت فيها أكثر من مرّة في أكثر من اعتقال سابق، وبقيت مضربا عن الطّعام ثلاثة أيّام حتّى تمّ إبلاغي بالاعتقال، وكانت مدّته الأولى أربعة شهور، وبعد محاكم صوريّة بلا تهمة تمّ نقلي بعد إضراب اجتجاجي منّي على نقلهم لرفيق درب بالأسر هو أيمن اطبيش الذي لا زال حتى كتابة هذا السّطور معتقلا ومعزولا منذ أكثر من ثلاثين شهرا ومعزولا.

وقد أضربت خمسة أيّام وكان رمضان في أيّامه الأولى، وكانت أيّاما قاسية فالزّنزانة حارّة وضّيقة جدّا والمعاناة مضاعفة ولا نفطر إلاّ على ماء ساخن، وبعدها تمّ إعادة أيمن اطبيش لعوفر ونقلي بعدة أيّام لسجن النقب الصحرواي في جنوب مدينة بئر السبع المحتلة بقرار ممّا يعرف بالمحوز أي المسؤول في ما تسمى مصلحة السجون لأنني أحرض على الإضراب أثناء النقل على وحدة القهر المعروف نخشون وهو اسم ديني لديهم تمّ مصادرة ما لديّ من أغراض وموادّ كتبتها ثقافيّة وحركيّة وتعبويّة.

وبعد أيّام في البوسطه والنّقل والنوم في معبار الرملة المعبار المملوء بالصّراصير والجرذان والرّطوبة المرتفعة وصلنا معبار عسقلان ثم معبار اوهليكدر وبعدها لنفحة والنقب، وهناك المستقر المؤقت، وهناك المكان الذي اعتلقت فيه لسنوات، وهنالك تعلّمت أبجديّات الثّورة وتعرّفت على طبيعة وعنصريّة المحتلّ وهذا الكيان الغاصب. 

وبعدها نقلت لقسم الخيام وهناك التقيت بأخي الأسير شاهر حلاحله الذي كان محكوما ب17عاما ولم يتبقى له وقتها إلّا عامان، ولقد تحرّر قبل شهرين، وبدأت حياة جديدة وبرنامجا ثقاقيّا جديدا من عمل مجلّة للقسم أطلقت عليها “مجلّة فلسطين”، واستمريت بالنشر والكتابة عليها طوال اعتقالي الذي استمر إلى أكثر من 20 شهرا إداريا بلا تهمة ولا محاكمة ولا مقابلة لضابط مخابرات أو تحقيق كماهو متعارف عليه، فقط أنت معتقل إداري بشبهة الخطر على أمن المواطن الصّهيوني وخطر على المنطقة التي أسكن فيها وناشط في منظمة إرهابيّة اسمها الجهاد الإسلامي.

ولقد كانت المجلّة متنوّعة فكريّة حركيّة علميّة ونشرت فيها عشرات المقالات الشّخصية والمترجمة وعن حياة الشهداء وجهادهم ونضالاتهم والأخبار المحلية والدّولية وعن الفرق والدّيانات وغيرها الكثير في هذا الاعتقال الذي حولته إلى ثورة من الكتابة والقراءة والمطالعة، وأنجزت عديد الدراسات والكتب التي لم تنشر حتى الأن أبرزها الكتاب الأول “أوّل الغيث…حياة وجهاد الشّهيد علي حلاحله

الكتاب الثاني “اللّيالي الصّعاب في أيّام الإضراب”، والكتاب الثّالث “صراخات على أبواب الأسر..كنت هنا”، والكتاب الرّابع مقابلات مع أكثر من 30 أسيرا يعيشون معي من الجهاد الإسلامي وحماس وفتح والديمقراطية والشّعبية يتحدّثون عن تجاربهم النّضالية تحت عنوان “تجارب من وحي الأسر”، أمّا الكتاب الخامس فهو الاضخم وهو “رحلة مع الذّاكرة” وعددصفحاته 500 صفحة، وبالاضافة لعديد الدورات التي تلقيتها من زملائي بالأسر عن الحركة الصهيونية والمجتمع الإسرائيلي ودورة في إدارة المؤسّسات، كما أنهيت ما تبقّى عليّ من مواد في جامعة الأقصى وحصلت على معدل ممتاز في مساق التاريخ وكتبت بحث تخرّج من 120 صفحة بعنوان “فلسطين بين الحقيقة والوهم العبري”.

وبذلك حوّلت الاعتقال من الحزن إلى فرح جديد.وهكذا ينتصر الثّوّار على سجّانيهم بالإرادة والتّحدّي والصّبر والعزيمة والحلم بالحرّيّة والعيش بكرامة بوطن دون سجون وأسلاك وجدران، وهكذا نصنع الحياة مقابل الموت الذي أراده لنا المحتلّ السّجّان ونصنع أناشيد الفرح أمام مزامير التلمود وأوهامهم الكاذبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى