أدب وفنونحروف على أعتاب الحرية

الفراق مرتین مرة بالاعتقال ومرة بالموت

بقلم الأسیر المحرر: أیوب العواودة

كثیرة ھي الأیام القاسیة في الاعتقال وكثیرة ھي اللیالي المنھكة وكذلك الصباحات لكن لن تكون أصعب من صباح الواحد والثلاثین من شھر ینایر من عام 2011 فبینما كنت جالسًا مع رفاقي في غرفة الاعتقال مجتمعین لتناول وجبة الإفطار فرغت سریعا من إفطاري و ذھبت كعادتي یومیا لأتفقد الأخبار الصباحیة على شاشة التلفاز إلى أن ینھي الشباب فطورھم، أتنقل ھنا وھناك إلى أن قرأت رسالة موجھة لي على الشریط الإخباري ” عظم الله أجرك في والدتك” وقبل أن یلتفت أحد إلى الخبر وبین مصدق ومكذب لما قرأت أغلقت التلفاز وبقیت متسمرا في مكاني و كل الذكریات والأحداث تنخر ذاكرتي أھكذا یكون الفراق دون وداع أخیر ظللت بینھم عقلي شارد عنھم وھم لا یعلمون ما أعلم ویمارسون أنشطتھم الطبیعیة إلى أن قرأ أحد الإخوة في الغرف المجاورة ذات الخبر وقف على شباك غرفتي ینظر إلي محاولا التأكد من معرفتي لخبر وفاة الوالدة یحلول یسترق مني شیئا ودون أن یسألني عرف بفراستھ أني قد قرأت ذلك الخبر اللئیم. قام الشاب بإبلاغ إدارة السجن بأنھ لدینا حالة وفاة لوالدة أحد الأسرى وقد كان من عادة الإدارة أن یقوموا بفتح الغرفة دون إغلاقھا حتى یتسنى لباقي الشباب تقدیم واجب العزاء ویكأنھ افتتح بیت عزاء في ھذه الغرفة. في لحظة إقبال الشباب جمیعا لتعزیتي أدركت حقیقة الخبر وأیقنت أني لن أعود لرؤیتھا مرة أخرى وأنا في غیابة الجب ولا أعلم متى الإفراج أصلا. أمي التي كانت ترافقني بدعواتھا و زیاراتھا في كل أماكن الاعتقال، تنقلت والدتي في السجون كافة منذ عام 1987 حتى عام 2010 بین زیارتي وزیارة إخوتي تحمل لنا احتیاجاتنا وتطمئننا عن عائلتنا وتحمل لنا أشواقھا ودعواتھا وصلواتھا. بقیت من بعد وفاتھا على حالي عامین في الأسر متواصلین وحینما حان وقت الإفراج ولحظة الحریة خرجت من السجن وكلي شوق إلى إلى لقائھا، وفي طریق عودتي عقلي لا یزال معتقدا أنھا بانتظاري ككل مرة، دخلت منزل والدي أبحث عنھا بین الوجوه وفي كل الأماكن لكن ھذه المرة كانت مختلفة فأمي لیست في المكان إطلاقًا ورغم التفاف الجمیع من حولي إلا أنھ لم یستطع أحد إلھائي عن التفكیر بھا، زرت قبرھا مرارا وتكرارا ولست مصدقًا أنھا تحت التراب، تمنیت لقاءھا ولو لمرة ولكن قدر الله غالب وأمر الله غالب ورحمتھ التي وسعت كل شيء تتغمدنا دوما. قصتي ھذه ھي واحدة من عشرات القصص لأسرى فقدوا إخوتھم أو آباءھم أو أبناءھم دون أن یتمكنوا من وداعھم. ملاحظة: یعلم الاسرى جمیعا أن خبر الوفاة غالبا یصل في السجون متأخرا عدة أیام فسجون العزل تصلھا الأخبار إما عن طریق الصلیب أو عن طریق المحامي وفي السجون العادیھ التي تفتقد التواصل یصل الخبر إما عبر زیارات الأھل أو في المحاكم أو عبر التلفاز فخبر وفاة والدتي قرأتھ بعد ثلاثة أیام من وفاتھا. نسأل الله الفرج لجمیع الأسرى ونسأل الله أن یجمعھم بأھلھم سالمین عاجلا غیر آجل. Visit coach freespins.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى