
بقلم : أ. سوزان عويوي
بعد مرور ٢٣ يوما وبقرار القاضي العسكري ونظراً لوضعي الصحي المتدهور تم نقلي من مركز تحقيق عسقلان الى سجن هشارون… حيث تُحتجز الأسيرات الفلسطينيات..
كانت بوسطة خاصة بي وحدي … وبعد اجراءات دخول طويلة ومرهقة وتفتيش دقيق وصلت مكتب السجانين وهو النقطة الاخيرة قبل دخول القسم 2 في السجن… وقفت للتفتيش الجسدي من جديد… وكان التفتيش هنا يتم في مرحاض صغير وافقت الاسيرات على ان يتم تفتيشهن به لانه المكان الوحيد الذي لا تصله عيون كاميرات المراقبة..
كان المرحاض قذراً ذو رائحةٍ نتنة… وعلى أرضيته تمدد عدة صراصير مقتولة.. لم أر أكبر من حجمها سابقاً… لونها بني بقرون استشعار طويلة زاد وجودها من نتانة المكان… انتهى التفتيش الجسدي في المكان الحقير… صوت ناداني من خلف الباب الحديدي… واخيرا اسمع صوتا انثويا فلسطينيا… جاء الصوت لينتشلني من غياهب بئر الغربة والوحشة الذي ظننت لبرهة انني لن أخرج منه ما حييت…
كانت ممثلة الاسيرات وقد علمت بقدومي للسجن وعرفت اسمي فنادتني به… كان سلاما حارا بيني وبينها رغم اللقاء الاول .. فكم كنت اشتاق وقتها لرؤية ملامح فلسطينية بعد كل اولئك العجم في مركز التحقيق… دخلت القسم .. فتجمعت الاسيرات من حولي هذه ياسمين شعبان … وهذه شروق دويات.. اسراء جعابيص .خالدة جرار لمى البكري نورهان عواد .. ملك سليمان… واخريات كنت أتابع اخبارهن من خلال عملي الصحفي في مجال الاسرى.. كنت اسمع عنهن وهاأنا اليوم بينهن … هالني ضيق المكان وعدد الاسيرات الكبير مقارنة بالمكان …
كان ممراً طويلا ضيقا يفصل بين صفين من الزنازين … دخلت اول ما دخلت الى زنزانة يسمونها الصف .. وبعد استقبال الاسيرات لي ( وكان الوقت وقتها فورة اي الوقت الذي يسمح للاسيرات به مغادرة زنازينهن) اخذت مني ممثلة الاسيرات بعض التفاصيل ومعلومات اخرى سجلتها اسيرات اخريات… وكثير من التفاصيل لم استطع التركيز بها فما زلت تحت تأثير الصدمة… انتهت الفورة.. وكان يجب ان اذهب للزنزانة الجديدة.. كانت تحمل رقم 7 … بها سبع اسرة وست اسيرات ..
استقبلنني بحفاوة استطاعت امتصاص جزء لا يستهان به من الوحشة.. فانا الان بين فلسطينيات… انام على برش(سرير حديدي) لا على الارض… تلفاز وان كان بمحطات محدودة سيئة الصّيت وطعام مطهو بالبهارات بدل ذلك الشيء القميء الذي يسمونه طعاماً… جلست على أحد الأسرّة الأرضية(حيث يوضع كل سريرين فوق بعضهما) طاولة بلاستيكية اكل عليها الزمن وشرب لكنها نظيفة… قدّمت أمل طقاطقة نائبة الممثلة وزميلتي في الزنازنة طعاما برائحة طعام… خضار مع الكثير من التوابل وبودرة مرقة الدجاج التي تعتبر أهم منكّه للطعام في السجن…
اكلت حتى شبعت وكنت على مدار الايام السابقة كلها في التحقيق بلا اي طعام سوى القليل من اللبن .. اكلت وطلبت رواية افرغ فيها شيئاً من القتامة التي تحتلني… بعد التسامر مع زميلات الزنزانة والأسر والغربة… فتحت الرواية وما ان وصلت الصفحة الاخيرة فيها حتى أذن الفجر معلناً تفاصيل يومية جديدة سأعيشها بدءًا من هذا اليوم لمدة عام… يتبع…