القدس المحتلة

المقدسيّون و حرب الاستنزاف البشري

 

 

 

بقلم : أ. رياض خالد الاشقر

 

منذ ان وضع الاحتلال المجرم اقدامه النجسة على ارض فلسطين، و تعمل حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة بكل امكانياتها على افراغ المدينة المقدسة من سكانها الاصليين واحلال اليهود بدلاً عنهم.

لذلك ينفذ الاحتلال في مدينة القدس مخطط للتهجير لدفع الفلسطينيين على ترك منازلهم ومقدساتهم للاحتلال، هذا المخطط يتضمن العديد من الوسائل الخبيثة منها ما هو مباشر وجزء اخر غير مباشر، بينما يبقى الاسلوب الاكثر خطورة والذى يعول عليه الاحتلال كثيراً في دفع الفلسطينيين المقدسيين لترك ارضهم طواعية، هو سياسة الاعتقالات التي تنفذها بحق المقدسيين بإشراف اعلى سلطة امنية وعسكرية وسياسية لدى الكيان .

الاعتقالات المكثفة والمستمرة اسلوب خطير يستخدمه الاحتلال لاستنزاف المقدسيين ودفعهم الى الهرب والابتعاد لإيجاد حياه أمنة وكريمة بعيداً عن منغصات الاحتلال واستهدافه المستمر لهم، بحيث اصبحت حياة غالبيتهم مهددة وغير مستقرة ، وخاضعه لمزاج الاحتلال.

تكمن خطورة الاعتقالات في انها ليست حدثاً عادياً او عابراً في حياة المقدسيين او امر يحدث لمرة واحدة، بل هي سياسة ممنهجة ومقصودة لخلق واقع معيشي واقتصادي وامنى قاسى، يستهدف كل مناحي حياتهم، بحيث تصبح مرهونة بهذا الاعتقال، فلا يستطيع الطالب المقدسي ان يكمل تعليمه الأساسي او الجامعي،  ولا يستطيع  رب الأسرة ان يكسب رزقه بشكل مستدام لإطعام اطفاله ، وقد يؤجل الشاب المقدسي اتمام مراسم زواجه عدة مرات بسبب الاعتقالات الى أخره من جوانب الحياة المتنوعة.

الاحتلال تعامل مع المقدسيين على انهم مواطنين ومقيمين دائمين في كيان الاحتلال، وبذلك هم ممنوعين حسب قانون الاحتلال من القيام بأي أعمال دعائية أو سياسية أو تعبوية تحت طائلة العقوبات ، لذلك لا يسمح لهم اظهار انتماءهم للقضية الفلسطينية ولو برفع علم فلسطين او الهتاف بشعارات وطنية، او المشاركة في أي فعاليات تأخذ طابع التصدي لمخططات الاحتلال، هذا عدا عن تجريم من يشارك بأعمال مقاومة او يساعد اخرين في تنفيذ اعمال عسكرية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه او حتى التصدي لاقتحامات المستوطنين للمسجد الاقصى وفرض اشد العقوبات بحقه.

لذلك يغلط الاحتلال من العقوبات بحق المقدسيين بالأحكام القاسية والغرامات المالية الباهظة التي تثقل كاهلهم ، وقد عمد الاحتلال خلال السنوات الخمس الاخيرة من تصعيد استهداف المقدسيين بالاعتقال والاستنزاف البشرى، والذى يأتى في اطار الاستهداف المباشر للأقصى والمقدسات وللوجود الفلسطيني وللمكانة التاريخية والدينية للمدينة المقدسة.

ويستخدمها كأداة لممارسة الضغوطات عليهم لتهجيرهم وافراغ المدينة من اهلها الأصليين لصالح الاحتلال اضافة الى المضايقات الاخرى، حتى غدت الاعتقالات ظاهرة يومية ملازمة لهم لإخضاعهم وارهابهم وفرض سياسة الامر الواقع، ومنعهم من التصدي لمخططات الاحتلال.

لذلك نلاحظ ان سياسة الاعتقالات تتصاعد بشكل واضح تزامناً مع احداث ميدانيه مفصلية على سبيل المثال في شهر يوليو من العام 2017 شهدت مدينة القدس حملة اعتقالات واسعة طالت ما يزيد عن 400 مواطن، وذلك لإخماد الهبة الشعبية التي تصدى خلالها المقدسيين لوضع  بوابات الكترونية على مداخل المسجد الاقصى المبارك، والتي اعقبها اندلاع مواجهات عنيفة مع المقدسيين رفضا لوضع تلك البوابات   .

كذلك الهبة التي اندلعت في شهر ديسمبر من نفس العام رفضاً لقرار الرئيس الأمريكي “ترامب” باعتبار مدينة القدس عاصمة للكيان، وايضاً قابلها الاحتلال كالعادة بحملة اعتقالات واسعة.

لا يكاد يخلو بيت مقدسي الا وذاق مراره الاعتقال ولأكثر من مرة، بل ان بعضهم اصبح زائراً دائماً لمقرات المخابرات ومراكز التوقيف والتحقيق ، والاعتقالات لا تقتصر على فئة واحدة بل طالت كافة شرائح المقدسيين من النساء والاطفال ورجال الدين والقيادات الوطنية والاسلامية ونواب المجلس التشريعي الفلسطيني وحتى مسئولين في السلطة الفلسطينية، حيث اعتقل الاحتلال محافظ القدس “عدنان غيث” ما يزيد عن 20 مرة منذ توليه منصبه، قبل عامين، وكذلك وزير القدس “فادي الهدمي” اعتقل العديد من المرات وطالت الاعتقالات الشيخ “عكرمه صبري” رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الاقصى.

هذه الوسائل الاجرامية يستخدمها الاحتلال بطرق مباشرة او غير مباشره ، وقد نجح  على مدار سنين الصراع من تحقيق بعض اهدافه ، بينما لا يزال صمود المقدسيين وتمسكهم بارضهم وهويتهم الفلسطينية ومقدساتهم، يقف حجة عثرة في سبيل تحقيق الاحتلال لحلمه الاكبر بتهويد كامل القدس، وهدم المسجد الاقصى، واقامة الهيكل المزعوم.

لذا نوصى بضرورة تعزيز مقومات الصمود لدى المقدسيين ودعمهم في مواجهة اجراءات الاحتلال ومحاولاته لإفراغ المدينة من اهلها ، وتوفير الدعم المالي والمعنوي والقانونى للمقدسيين لمساعدتهم على الصمود .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى