
” هذا مش ابني ” ، بكلمات تقطر أسى ، صرخت أم الأسير الفلسطيني حسين المسالمة بعد 19 عاما من السجن ، لتلتقي به بعد طول صبر وانتظار ملقىً على أسرة الموت والإعدام في سوروكا ، ينتظر مصيره المحتوم ، وخلف الستائر جزار ينتظر أنفاسه اللاهثة لتعلن وداعها الأخير .
أم بقلب أم حسين ، لم تعرف فلذة كبدها ، فتعود لتقول : ” ابني ميت، ابني ميت ” ، حيث نهش المرض كل جزء حي ، فلا العينان ذاتهما ، إذ انطفأ البريق ، ولا الجسد نفسه ، حتى كأنه استبدل بآخر لم تعهده عائلته قبل ..
سبع دقائق بعد حرمان لعامين من الزيارة ، كانت كفيلة لتخبر القلب المكلوم أي حال غاب فيه حسين، كانت تتذرع حينها إدارة السجن بفايروس كورونا في منع الزيارة المستمر، حتى إذا اشتد الأمر على عوده فتحت باب زيارته ولعلها كانت ترى في وداعه خشية ألا تطالها شرارة غضب دولي مقيت ، لا يسمن ولا يغني من جوع .. !
في سبع دقائق ، كشفت عن عملية تصفية مخططة طالت أسيرا آخر جديد ، وإلا فما وجده حسين خلال الشهور الماضية كان ينبئ عن أي خطر محدق يتربص به ، آلالام حادة مزمنة في البطن صاحبها صعوبة في التنفس وأوجاع أخرى قاهرة في كل جسمه ، في حين أصمّت إدارة السجن آذانها عن الامه وشكواه ، حيث المسكن القاتل الصامت الذي كان يجابه به حسين ليصمد ، حتى تلك اللحظة التي تمردت أوجاعه على قوته ، فخار الجسد النحيل واستسلم لقدره ، مع تغيرات كثيرة طرأت على حاله وصحته، نقل إثرها إلى سوروكا ليتم تشخيصه بسرطان في الدم في مراحله المتقدمة .. !
ولما وجد العدو أن لا أمل يرجى من حسين وحاله ، أخلى سبيله ظنا منه أنه بذلك ألقى عن عاتقه مسؤولية ما يحدث ، تلك التي ستطاله يوما حين لابد من القصاص ؛ إذ لا ينام الثأر كلا ، وكيف له ينام !؟ ..
يرقد حسين اليوم في مشفى بيت جالا الحكومي ، بعد أن وصلت حالته إلى مرحلة الخطر الشديد ، ما جعل الأطباء يقفون عاجزين أمامه ، لم تسعفه منظمات حقوقية ولا محاكم دولية ، ولا قوانين جائرة ترى الظلم أساس الحكم أبدا ، في حين يلهج أهله الى الله أن يرد الى حسين عافيته وصحته ، وإنه على ذلك لقدير .
سياسة الاغتيال الممنهج ، التي كانت نواة أول مركز للتحقيق في فلسطين ، وبها رسمت خرائط السجون فيما بعد ، إنما لاقامة بيئة كانت كفيلة على مدى أعوام مديدة أن تغرز في أجساد سكانها شتى صنوف الأمراض و البلايا ، حتى استطاعت والاهمال الطبي المتعمد إلى سقوط منذ 67 أكثر من 226 شهيد داخل أقبية السجون وخارجها ، تلك السياسة ذاتها اليوم التي تلاحق ما يزيد عن 700 أسير على أسرة المرض ، و ما يقرب من 300 منهم يعانون من أمراض مزمنة بحاجة ماسة إلى العلاج العاجل قبل فوات الاوان ، بينما يعاني 11 أسيرا من مرض السرطان على تفاوت في الحالات ، من ضمنهم حسين المسالمة ، وياسر ربايعة من بيت لحم ، وموفق عروق من أراضي ٤٨ المحتلة ، كذلك الأسير اياد نظير عمر ، ابن مخيم جنين الذي أجرى منذ يومين عملية استئصال لورم خبيث بالدماغ بعد تدهور كبير طرأ على صحته .
ورغم ذلك كله ، مازال أسرانا الاشاوس بعزيمة جبارة ، وإرادة من حديد ، يجابهون ذلك السجان ، بلا كلل أو ملل ، على أمل بوفاء أخرى جديدة ، ولا على سواها يعولون ، إيمانا بأنه ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ولا يفل الحديد إلا الحديد .
ريهام أبو عياش
الخليل .