عين على السجونواقع السجون

الأسرى في خضم المعركة التي لا تهدأ

بقلم : قتيبة قاسم

معركة الأسرى التي لم تكن وليدة اللحظة ولا وليدة عملية التحرر وانتزاع الحرية الأخيرة التي أثبتت صلابة الفلسطيني المقاوم وإنما هي معركة منذ الأسير الأول ومنذ الزنزانة الأولى، تتجدد اليوم وكل حين كي تظل قضية الآلاف المغيبين ظلماً وعدواناً عن أهلهم حاضرة لاستعادة وانتزاع الحقوق كفاً يواجه المخرز، مرحلة أخرى من مراحل صناعة النصر ورفع لواء المقاومة في الصف المتقدم والملتهب على الدوام.

تستمر المعركة ما بين تحقيق الإنجاز ومحاولة سلبه، وكلما ضاقت على الأسرى وتزايدت حملات القمع والتنكيل لإنهاء منجزاتهم وحقوقهم؛ تلك الحقوق التي ما جاءت على طبق من ذهب وإنما بالدم والصبر والكفاح المتواصل منذ نشأة الحركة الأسيرة، كلما زادت شهية الأسرى لتلقين المحتل درساً أكبر من سابقه، فتراكم الخبرة وتراكم الهمة والعزيمة مع سنين السجن الطوال حتى أصبح الإنجاز أشبه بالمعجزة وأقرب إلى المستحيل فإذا به واقعاً يضع المحتل في مأزق آخر ليدفن رأسه في التراب.

لقد ظن السجان أنه إذا ما حاصر الأسرى وشدد من خناقه عليهم بأنه سيكسر عزمهم أو يضعف شوكتهم وإذا بهم يفاجئونه فيحطمون آماله ويهشّمون كيانه المتهالك، عدة أيام مضت على الحدث الأكبر داخل السجون حين انتزع ستة من الأبطال حريتهم عنوةً ورغم أنف السجان ولا تزال مصلحة السجون الصهيونية تفرض عقوباتها الجماعية والفردية على الأسرى انتقاماً ومحاولة لفرض انتصارات وهمية بعد أن ثبت فشل قبضتها الأمنية وإجراءاتها التعسفية في كسر إرادة الأسرى، وفشلت في وأد انتفاضات الأسرى أو النيل من وحدتهم وهي الآن تحاول إنهاء تمثيل الجهاد الإسلامي في السجون بإنهاء التنظيم وحلّه وعزل قياداته وتوزيع أسرى الحركة على مختلف السجون في محاولة لعزل أعضاء التنظيم عن بعضهم البعض، وهذا في حد ذاته إعلان حرب لا تقتصر نيرانها على الجهاد الإسلامي وإنما تستهدف نضالاً ممتداً منذ عقود أدى في مراحله المتعددة لانتزاع الكثير من الحقوق وفرض إرادة الأسرى رغم أنف السجان، واتخاذ قرار المواجهة من مختلف الفصائل اليوم لحماية تلك الحقوق كان الرد الأبلغ والواضح كي لا ترجع الحركة الأسيرة عقوداً إلى الوراء.

كعادتها تحاول مصلحة السجون الصهيونية تنفيذ مخططاتها باستهداف كرامة الأسرى والتنغيص عليهم بالقدر الذي يعكس أزمات الكيان المتتالية وخيباته، فينفرد السجان بالأسرى فعقاب هنا وقانون عنصري هناك وعدم استقرار يراد به محاربة الأسير حتى في زنزانته وداخل عزله، وصولاً إلى كل التفاصيل التي تعمد لجعل الأسرى رهائن تحت سطوة الظلم والاضطهاد وامتهان الكرامة.

لقد عمدت إدارات السجون لأن تضع دائماً يدها الطولى فوق حقوق الأسرى التي انتزعوها بالدماء ومن ثم التضييق عليهم باعتبارهم الحلقة الأضعف حسب ما تراه؛ يساعدها في تصورها ترهل الوضع السياسي الفلسطيني وتأزمه وضعفه معظم الوقت، وعلى أنهم لقمة سائغة يسهل ابتلاعها وسط معمعة الانشغال الشعبي الفلسطيني في قضاياه التي تشعّبت هنا وهناك، وإنّ تراجع الحشد الشعبي والوطني تجاه قضية الأسرى يجعل من ذلك قناعة لدى المحتل بأن ما يريده سهل المنال، لكنه يصطدم دائماً بالقوة والعزيمة والوحدة التي تحطم آماله، لقد كان القرار الوطني بمواجهة السجان ومنع استفرادهم بأسرى الجهاد الإسلامي وحدهم صفعةً ستجعل من ساحة السجون حرباً غير متكافئة لكنها كحالة المضطر الذي لا يجد إلا الأسنة مركباً فيركبها وهي حيلته.

إن تبعات انتزاع الأسرى حريتهم عنوةً ورغماً عن أنف السجان لا تقف اليوم عند حد الانتصار والابتهاج بها، ولا عند حد الانتقام الصهيوني واتباع سياسة العقاب الجماعي، إنها مرحلة فاصلة في تاريخ الحركة الأسيرة التي تستحضر عشرات محاولات انتزاع الحرية والتحرر فترفع بارقة أمل في تاريخ مشرق ومحاولات متتابعة تزخر بها ذاكرة الفلسطيني فتستنهض الهمم داخل قلاع الأسر وفي الشارع الذي بات يتأهب منتصراً لأسراه.

أما عن الغطرسة والعنجهة الصهيونية فهي استمرار للذي لم يتوقف، ولكن وتيرة الحقد ترتفع، فماذا يعني لك القمع والضرب بالهراوات وإطلاق الرصاص المطاطي والفلفل والغاز واستخدام الأسلحة بأنواعها تجاه عزّل محاصرين في تلك الأمتار الضيقة، سينام ويُلقى الأسير مشبوحاً ومكبلاً في العراء على الأرض وقد احترقت تلك الغرفة التي تؤويه وتؤوي صوراً بالكاد أدخلها بعد معاناة يرى فيها أطفاله، وملابس هي الأخرى بشقّ الأنفس سمحت له إدارة السجن بإدخالها، وكتباً ومؤلفات وذكريات كلها صارت أثراً بعد عين، ينام على رائحة الدخان ومعدة فارغة ودم نازف، ما حال المرضى وكبار السن الذين ذاقوا الأمرّين وزاد القمع أوجاعهم، سيغيب الأهل عن الزيارات التي ينتظرونها كعقاب آخر وسيُمنع الأسرى من الكانتينا والتلفاز، كل هذا والمعركة في أوجها، لقد اتخذ الأسرى قرارهم بالمواجهة خيارهم الأول والأخير ليحافظوا على كيانهم وكرامتهم، فقرار حرق الغرف وإضرام النار فيها هو الخيار المرّ لكنه الملاذ الأخير أمام حجم الكارثة فيما لو مضى السجان في خطواته وتصعيده، لقد وضع الأسرى إدارة السجون أمام هذا التحدي منذ زمن حين أبلغوها بأن أي اقتحام سيجابه بحرق الغرف وقد كان، ثم تستدعي مصلحة السجون الجيش لمساعدتها في القمع ولعلها المرة الأولى منذ تسليم الشاباص مسؤولية إدارة السجون بشكل كامل قبل ما يزيد عن اثني عشر عاماً.

سيتوقف المحتل كثيراً عند هذه المرحلة، وسيقف عاجزاً عن كبح عزيمة الأسرى التي تنتظر المؤازرة من الخارج وشحذ الهمم ورفع المعنويات كي تواصل عنفوانها وتستمد مزيداً من القوة، وإن المعركة لا تنتهي إلا عند انتزاع آخر أسير حريته، وتتواصل إلى جانب ذلك معارك المضربين عن الطعام ومعارك الباحثين عن حريتهم بملعقة أو بالأمعاء ولن يعدم المجاهدون الوسيلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى