إعداد : الشهيد محمود عادل الطيطي
تتعدّد صور المظلمة التاريخية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني؛ والتي نتجت عن وجود الاحتلال "الإسرائيلي" على أرضه، ولكننا في هذا التقرير بصدد استعراض صورة واحدة من تلك المعاناة، ألا وهي عملية الاعتقال والزج في غياهب السجون ومن ثم الموت البطيء والقتل المتدرج نفسيا وجسديا.
وقد سطرت الحركة الفلسطينية الأسيرة أمثلة إنسانية قلَّ نظيرها في الصبر ومكابدة صعوبات العيش والمعاناة. وفي ظل ظروف مأساوية اضطُر الأسرى لخوض مواجهات مستمرة مع أصحاب الخوذ والعصي ورشاشات الغاز. وكثيرة هي الاستنفارات والمواجهات التي استخدمت فيها قوات جيش الاحتلال ومصلحة إدارة السجون أبشع صور القمع والعدوان، حتى وصل الأمر إلى إطلاق النار على الأسرى العزّل، في معتقل النقب الصحراوي في تسعينيات القرن الماضي، وكذلك في نهاية عام 2007، حيث سقط الأسير محمد ساطي الأشقر، من قرية صيدا قضاء طولكرم، وقد وصل الأمر إلى أبعد من ذلك عندما استُخدمت المروحيات من أجل قمع الأسرى في معتقل "مجدو" عام 2003.
وتاريخ الأسرى الفلسطينيين حافل بعمليات الاحتجاجات المتمثلة بالإضراب عن الطعام، والتي فرضوا من خلالها على سجّاني الاحتلال احترام الهيئات التي ينتخبونها لتمثيلهم.
وقد استطاعت تلك الحركة أن تنظّم صفوفها فكريّا وثقافيا ورياضيا، بل وأنجزت قوافل عديدة من حفظة القرآن الكريم والأدباء والشعراء والخطّاطين والعديد من الفنانين، وقد أتقن الكثير من الأسرى لغات أخرى، ولم تعجزهم جدران السجون، فانقلب السّحر على السّاحر وأصبحت السجون محاضنَ للعلم والارتقاء، وأصبح للحركة الأسيرة الحضور الواسع في الساحة الفلسطينية، مما دفع الفلسطينيين للسعي دوما للإفراج عن أسراهم، فأُنجزت عملية تبادل الأسرى عام 1985.
وقد تجاوز ذلك السّعي مخطّطات النّخب إلى نبض الشارع وقلوب الناس، فشهدنا العديد من المواجهات التي أطلق عليها حينها "انتفاضة الأسرى"، كما هي الأحداث التي تنامت مع إضراب عام 2000، حين التهب الشارع الفلسطيني بأسره، للوقوف إلى جانب الأسرى المضربين عن الطعام، وكان ذلك ديدن الشعب الفلسطيني بالاشتعال مع كل حادثة توتر وإضراب داخل المعتقلات، وكان آخر إضراب للأسرى الأبطال في عام 2011 ، وانطلق هذا الإضراب في يوم الأسير الفلسطيني، حيث استمر أكثر من 25 يوما.
ترتيبات السجون
تتكون معظم سجون سلطات الاحتلال من غرف تتراوح مساحتها بين 2.5 مترا مربعا وتعرف بالـ "أكسات"، ويسكنها اثنان من الأسرى مثل معتقل "إيشيل" قسم 4، وأخرى بمساحة تصل إلى خمسة أمتار مربعة ويسكنها ثلاثة أسرى مثل معتقل "هداريم" قسم 3، أو غرف تحتوي من 6 إلى 18 شخصا مثل سجن عسقلان، أما الغرف الجديدة فمساحة الواحدة منها 13 مترا مربعا يسكنها من 8 إلى 10 أسرى، مع تهوئة ضئيلة وتحصينات أمنية مشددة.
وتسمح سلطات السجون بشراء مروحة بلاستيكية لكل أسيرين، دون مراعاة الحرّ الشديد في سجون الجنوب القريبة من صحراء النقب ، والرطوبة العالية في سجون الوسط والشمال، التي تعد الأقرب إلى البحر الأبيض المتوسط، ويتم توفير ثلاّجتين لكل 100 أسير، مع وجود الماء الساخن الذي يتم قطعه لساعات طويلة على مدار اليوم.
يتوفر تلفاز وأدوات طبخ في كل غرفة، ويسمح للأسرى بشراء بعض من احتياجاتهم بأسعارٍ باهظة وبكميات محدودة من بقالة السجن "الكنتينة" ، كالألبان والخضار والسّمك والدّجاج، فعلى سبيل المثال لا يُسمح للأسير بشراء أكثر من دجاجة واحدة في الشهر.
نظام الحياة اليومية
يسمح للأسرى بساعة رياضة في الصباح الباكر بعد عملية العد الساعة السادسة صباحا، ثم ساعة ونصف الساعة فورة صباحية وأخرى مسائية تنتهي بين الرابعة والخامسة مساء؛ وذلك بالخروج للتمشي في ساحة تتراوح مساحتها بين 80 و 120 مترا مربّعا في بعض السجون، مثل الأقسام الجديدة في معتقلي السبع ونفحة الصحراويين، حيث يحتوي كل قسم من الأقسام ما بين 80 و150 أسيرا ، ولا تتسع ساحات تلك الأقسام إلا لعشرين أسيرا على الرّغم من أن الكثير من السجون صحراوية ممّا يعني إمكانية توفير ساحات أوسع.
بعد عملية العد المسائي وهي الثالثة في اليوم، تغلق الأبواب، فلا مجال لإحضار ما هو خارج الغرف كالماء البارد مثلاً. ويشرف السجناء الجنائيون الإسرائيليون على تحضير الطعام السيِّئ نوعا وكمّا، فيعتمد الأسرى على ما يشترونه من البقالة "الكنتينة"، ولا تسمح سلطات السجون بإدخال أي شيء من خارج السجن سوى الحلويات في الأعياد، حيث تقوم وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين بإرسالها عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وفاء لروح محمود الطّيطي …
كتب الشّهيد محمود عادل الطيطي هذا المقال عندما كان أسيرا، و مجلّة "سراج الأحرار" التي كان الشّهيد الطّيطي أحد أبرز مؤسّسيها إذ تنشر المقال في عددها الافتتاحيّ فإنّها تؤكّد الوفاء لروحه والثّبات على نهج كلّ الشّهداء والوطنيّين والأسرى الأبطال كافّة.