العزل الإنفرادي

حين يتقاطع الظلم والظلام

  

بقلم: الأسير المحرر محمد الجمل

 

في ذلك المكان البعيد، المتواري خلف عيون البشر، حيث يخيم السكون ويقمع الصمت كل أشكال الحياة، هناك يتوقف شعاع الشمس عن المسير حين يرتطم النور بجدران شاهقة وأسلاك شائكة وأبراج مراقبة وبنادق وخنادق وسجان قد تجرد من كل معاني الإنسانية.

هناك فيما يسمى "زنازين العزل الانفرادي"، خلف كل ذلك الظلام؛ ووراء كل تلك الظلمات يحيا بقية إنسان، إنسان تقيده آلاف السلاسل، وتحيط بمعصمه آلاف القيود، يعيش في زنزانة أقرب ما تكون إلى القبر، ضيقها شديد؛ وحرها أشد، ظلامها مرعب وسكونها مطبق، في تلك الزاوية الأليمة فقط يتقاطع الظلم مع الظلام، يتقاطع ظلام الكون مع ظلم البشر، ويحرم الإنسان في تلك النقطة من كل ما يتعلق بالبشر، كل شيء هناك ممنوع ومحرم، ممنوع ذلك الإنسان من الحديث، ممنوع من النوم، ممنوع من رؤية نور الشمس، ممنوع من استنشاق الهواء والنظر في السماء، ممنوع من رؤية الأهل أو حتى سماع الولد، ممنوع أن يشارك في مراسم تشييع والديه إن فارقا الحياة، وممنوع أن يسكب عليهما دموع الفراق أو يتقبل فيهما العزاء!

فأي جرم يرتكبه إنسان يستحق كل هذا العذاب؟! وأي ذنب يقترفه بشر يستدعي كل ذلك الجحيم؟! لا شيء يستحق ذلك ولا شيء يستدعيه! سوى أن عدونا هو احتلال مجرم آثم ممعن في الجريمة والعار؛ يتلذذ بعذاب أبنائنا ويستمرئ التنكيل بهم.

فهل من ضمير بشري يتحرك ليكشف الستار عن تلك الوجوه المجرمة، وينقذ بقايا البشر من تلك المقابر ويعيد لهم بعضا من حياة؟! هل من إنسان يصرخ في وجه هذا العالم الميت: "كفى .. كفى ظلماً .. كفى قهراً .. كفى عذاباً .. أخرجوا أبناءنا من مقابر هؤلاء القوم.." ؟!

 

                                                   

 

 

 
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى