بقلم: ثامر سباعنة.
في غرفة الزنزانة المغلقة، للصورة حكاية من نوع آخر، حكاية تختلف عن الحكايات الأخرى سواء بالزمان أو المكان أو الشخوص أو حتى المشاعر، ولأن أربعة جدران أقصتك عن كل شيء ما كنت لتشعر بقيمته لو كنت حرا طليقا، فهنا وبين هذه الجدران الضيقة يصبح لكل شيء قيمة عاطفية تحمل ألف معنى ومعنى، فالصورة في الأسر هي الرابط بين الأسير والحرية، فكانت ولا زالت تحمل عبق أطفال يفتقد الأسير رائحتهم، أو صورة تحتضن أما يرى فيها الأسير والدته التي توفيت أثناء وجوده في الأسر، أو حتى صورا لشهداء ارتقوا إلى السماء دفاعا عن القضية واشتركوا مع الأسرى في المبادئ وحب تراب الوطن.
الصورة كنز الأسير ومن أهم ممتلكاته وأكثر ما يهتم به ويحرص عليه في سجنه، وسأذكر هنا بعض مشاهداتي خلال فترات اعتقالي، وسأبدؤها بحرص الكثير من الأسرى على صور ذويهم التي اتخذت لها مكانًا مميزًا أعلى أسرّتهم، لتكون بذلك آخر ما يكحّلون به أعينهم قبل النوم، وأول ما تشرق عليه شمس يومهم الجديد.
أما الأسير مصطفى شتات من قرية "بديا" الذي جاب دولاً أوروبية عديدة، وتعرض للاعتقال فور عودته من إحداها حيث كان يكمل دراسة الماجستير هناك، وهو يحتفظ بمجموعة من صوره في دول مختلفة، وكلما حضر أسير جديد شَرَع مصطفى بعرض الصور عليه وبدأ بالشرح المفصل عن الصورة وإحداثياتها، ودائما كان يردد: "مصطفى من البرج إلى البُرْش"، في إشارة لبرج إيفل الذي زاره و البُرْش (أي السرير) الذي يعيش عليه الآن في سجنه.
الأسير رامي نور، علق صوراً لأبناء إخوته وأخواته الذين جاؤوا إلى الدنيا وهو في الأسر ولم يسمع أصواتهم إلا من خلال رسائل مكتوبة، كذلك فعل الأسير علاء توفيق يحيى بملامح أطفاله التي احتبسها في صور لا تفارق عينيه.
لا يكتفي الأسرى بتعليق الصور والنظر إليها كلما شعروا بالحنين، بل يبادرون بإرسالها إلى أسرى آخرين، كما أن الأسير يتركها عند الإفراج عنه مثل غيرها من مقتنياته التي توزع على إخوانه الأسرى، لعلها تغرس الأمل في قلوبهم، حتى أصبحت الصورة بمثابة الهدية التي يرغبون بتلقيها أكثر من أي شيء آخر!
تسمح إدارة السجون بإدخال خمس صور شهرياً لكل أسير، وتقوم الإدارة بفحص الصور وتفتيشها قبل السماح للأسير باستلامها، وأحيانًا تمنع دخول بعضها وتقوم بمصادرتها.
قالوا: "إن الصورة تُغْني عن ألف كلمة"، وفي سجون الاحتلال الصورة ألف كلمة، ألف تعبير، ألف عاطفة، وألف دمعة.. وأمل.