شهيد في مقبرة الأحياء
الجزء الثاني
تقرير خاص- مجلة سراج الأحرار
سقى ترابَ الوطن حبُّ نضاله وذاد عنه بدمه، بعد أربع سنوات من المطاردة اعتقل الأسير معتصم رداد من جنين، وبدأ خوض حرب جديدة اختلفت فيها أرض المعارك بين المشافي والسجون، رغم مرضه بمرض "كرونز" Crohn's disease -وهو مرض تقرحي مزمن يصيب الجهاز الهضمي قد يتطور بعد مدة من الزمن إلى سرطان الأمعاء- إلا أنه لا زال صامدًا يرتجي لقاءً مع ذويه على أرض صيدا.
أخطر حالة في سجون الاحتلال تلتمس طريق الصبر
ستة أعوام مع المرض والألم والتنقل بين السجون والمشافي، وبعد عدم تجاوب جسد الأسير للعلاج الكيماوي الذي خضع له، قررت إدارة سجن الرملة عام 2010 إجراء عملية جراحية لاستئصال الأمعاء الغليظة وجزء من الأمعاء الدقيقة من جسده الطاهر بعد عام كامل من قرارها الطبي، ورغم خطورتها ونسب نجاحها الضئيلة في شفائه من مرضه وعدم ثقة الأسير معتصم بأطباء السجن إلا أنه وافق على إجراء العملية ليضع حدًّا لمعاناته كونها خياره الأخير، إلا أن إدارة المشفى أو لنقل "إدارة المقبرة" أبلغته بتأجيلها إلى أجل غير معلوم قبل دقائق فقط من إجرائها! ليتكرر التأجيل بُغيَةَ الانتقام ضاربين حقوق الأسير بعرض الحائط لأعوام؛ حتى أصبحت الجراحة غير مجدية بعد تفاقم وضعه الصحي.
لم تتوقف محاولات الأسير وذويه لجذب أنظار العالم إلى حجم معاناته ومعاناة رفاقه في مقبرة سجن الرملة لإنقاذهم، حيث طالب في رسالة موجهه إلى "بان كي مون" -الأمين العام للأمم المتحدة- بإرسال لجنة دولية حقوقية للتحقيق في أوضاع الأسرى المرضى الذين يتعرضون لسياسة "القتل البطيء" كما وصفها الأسير معتصم في رسالته وما من مجيب لنداءاتهم وصرخاتهم إلا الله.
عقب تأجيل العملية ودون تحديد موعد آخر من قبل إدارة السجن؛ حاول المحامون تقديم طلب استرحام للمحكمة للإفراج عنه بشكل مؤقت ونقله إلى الأردن للعلاج، إلا أن طلبهم قوبل بالرفض من المحكمة وأصرّت على استمرار اعتقاله رغم مرضه وحالته الصحية السيّئة.
"الحرية" كلمة يحلم بها الجميع، لكن الأسرى المرضى وذويهم يحلمون بتحقيقها لقاء بلا كفن!
عاشت عائلة الأسير معتصم رداد خيبة أمل عقب صفقة وفاء الأحرار ليقينهم بضرورة الإفراج عن الأسرى المرضى، لكن عدم إدراج اسم ابنهم في الصفقة شكّل صدمة قاسية على ذويه، فرغم خطورة وضع الأسير رداد الصحي وإفناء زهرة شبابه في صراع مع المرض وهو ابن الثلاثة والثلاثين ربيعًا إلا أنه بقي خلف القضبان يصارع المرض تارة ويقارع السجان تارًة أخرى.
تعصف بجسد الأسير معتصم أعاصير الألم كل لحظة، في نومه وصحوته، في مأكله ومشربه وصلاته، لا يتوقف جسده عن النزيف المستمر، ومع معاناته من قصور في عضلة القلب وإصابته بالسكري وآلامه الدائمة في المعدة والأمعاء، رغم كل تلك المعاناة إلا أن إدارة السجون وفي ظل انعدام الضمير والإنسانية لم تحتمل صموده، فبعد مضي ثلاث سنوات على مكوث المجاهد رداد في "مقبرة" مشفى الرملة قامت إدارة السجن بنقله إلى سجن "ايشل" عقب دخوله عامه الثامن في الأسر بوضع صحي متدهور، بسبب إضرابه عن الطعام والماء احتجاجًا ورفضًا لسياسة الكذب والتضليل التي تنتهجها إدارة السجون بحق حالته الصحية ورفض نقله لسجن "هداريم" بحجج واهية.
أصمَّ العالم آذانه عن استغاثة الأسير معتصم رداد، ليكون رفاق الأسر العون الوحيد في غياهب السجون بعد الله!
"أصبح منذ فترة لا يتحرك من فراشه، وغير قادر على تناول الطعام بسبب المضاعفات الخطيرة التي طرأت على حالته الصحية…" بهذه الكلمات وصف رفاق الأسير رداد في سجن إيشل حالته الصحية المتدهورة، رفاق الأسر كانوا خير سند للأسير معتصم في محنته، فقد هددوا إدارة السجون بخطوات احتجاجية إن لم تسارع بإعادة نقل رداد إلى المستشفى لتقديم العلاج المناسب له، فأذعنت الإدارة لمطالب الأسرى ونقلت رداد إلى مستشفى "سيروكا" في مدينة بئر السبع المحتلة دون تقديم علاج فعلي له.
مشافي للعلاج أم مسالخ للتعذيب؟!
يسعى المريض للعلاج من السقم؛ لكن سقم النفوس أبلغ من سقم الأجساد، آثر المجاهدُ آلامَهُ على المكوث في مسالخ الاحتلال المسماة "مشافي" وهي من تَحُول بينه وبين علاجه! فقدّم طلبًا لخروجه من المستشفى إلى سجن "هداريم" الذي سكن زنازينه المظلمة بعد رحلة إضراب انتصر فيها دامت نحو أسبوع سعيًا منه للحصول على أدنى حقوقه كتلقي العلاج ونقله بظروف إنسانية تناسب وضعه الصحي، بقي الأسير معتصم في سجن "هداريم" حتى السابع من ديسمبر 2015 لينقل من جديد الى مشفى سجن "الرملة"، وعلى إثر تدهور وضعه الصحي في مايو 2016 نُقل إلى مستشفى "آساف هروفيه" لإجراء بعض الفحوصات الطبية.
"لن يفرج عنه حتى تتبقى أيام معدودة من حياته…"!
كان هذا رد قاضي محكمة السجن في عام 2014 على طلب الإفراج المبكر الذي قدّمه الأسير معتصم لأسباب صحية، والذي ما زال يقبع في زنزانته يرقب بزوغ فجر الحرية..
وأما أمنية -سالك درب الشهادة- الأسير المجاهد معتصم رداد: "لا أريد الموت مكّبلًا على سريري، أريد الموت عزيزًا بين إخواني".
يبقى العزيز عزيزًا أيها المعتصم بالله..