إعداد: سامر الزعانين
قبل أكثر من ألف سنة ساءل المتنبّي العيد في مطلع قصيدته الشّهيرة:
عيدٌ بأيَّة حالٍ عُدتَ يا عيدُ |
بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ |
فتناقلت الأجيال ذلك البيت وصار على لسان كلّ من ينتظر جديدًا قد يأتي به العيد، وإنّنا في هذه الفترة من كلّ عام لنكاد نسمع ذات الكلمات تلهج بها ألسنة الآلاف من أهالي الأسرى وقد فاضت أعينهم دمعًا لحلول العيد دون أن ينعموا برؤية أبنائهم الذين غيّبتهم سجون الاحتلال، إنّها تلك الغصّة التي لا تزال جاثمة على الصّدور تنهكها وتزداد وطأتها عند موسم الفرح عيد فطر كان أو أضحى مبارك.
-
"لا يبدأ يوم العيد لدينا مثل باقي المسلمين، يعتصرنا ألم فقدان شادي داخل سجون الاحتلال وعدم وجوده بيننا أثناء تكبيرات وصلاة العيد، وتكون فرحة العائلة منقوصة، فقد كان يرافقنا في معايداتنا على الأقارب والجيران…".
[ والد الأسير شادي البابا ]
-
"كان السّبّاق في تقبيل يدي، يوقظنا باكرًا حتى يرافق أشقاءه إلى صلاة العيد، ومن ثمّ زيارة الأقارب للمعايدة عليهم".
[ والدة الأسير حسام الزعانين المحكوم 17 عامًا ]
-
"لا يمكننا أن نستقبل يوم العيد إلاّ بالبكاء، فقد كان زوجي الرّكن الأساسي للبيت، نفتقد لمساته الجميلة كتزيين المنزل وشراء الملابس الجديدة لصغارنا، ثمّ اصطحابهم لزيارة الجيران والأقارب…".
[ زوجة الأسير جابر الحسنات ]
-
"كان والدي في يوم العيد يصطحبنا إلى الصّلاة، وبالرّغم من حبي للّعب واللّهو، فإنّ أكثر ما كنت أحبّه هو أن أذهب مع والدي لزيارة أقاربي ومعايدتهم…".
[ الطفل محمد ابن الأسير نعمان الرّيحان ]
مشاعر متناقضة تنتاب الأسير في سجون الاحتلال بين الفرح بيوم العيد وألم يعتصر قلبه ببعده عن أهله وذويه في يوم كان يتمنى أن يكون بينهم..
-
"على الرغم من قسوة الأسر، إلا أن الأسرى يحاولون إظهار أشكال الفرحة والتخفيف من حرمانهم بالتكبير والتهليل يوم العيد، كما يخرجون إلى ساحة الفورة ويوزعون الحلوى، العصير، القهوة والتمر، وبعد عودتهم إلى الغرف يجلسون بوحدة يلفُها الشوق والحنين إلى الأهل والصحب…".
[ الأسير المحرر محمود اليازجي من قطاع غزة ]
-
"يوم العيد لا يشعر بألمه وقسوته سوى من ذاق مرارة السجن، فالذكريات والأحزان تتراكم على الأسير، وتختلط المشاعر بين فرح وسرور ظاهر على الوجه، وحزن دفين في القلب، بعض الأسرى ينطوون لساعات طويلة حيث يمر اليوم ببطء شديد، والبعض الآخر يشرع في الكتابة، ليخطّ بعض القصائد والرسائل على أمل أن تصل إلى أصحابها، أو قد لا تصل وتبقى حبرًا على ورق…".
[ الأسير (ن.ي) من بلدة عصيرة الشمالية والمحكوم بالمؤبدين ]
-
"يضطر الأسرى إلى قضاء أيام العيد مع مجموعة من الصور والذكريات، فتنهمر من عيونهم دموع الحزن والأسى، لكنهم يصرّون على الاحتفال بالعيد خلف الأسوار بطريقتهم الخاصة والبسيطة، وعيًا منهم بضرورة إبراز ملامح الثبات وتحدي الواقع أمام أقرانهم الأسرى الجدد وإدارة مصلحة السجون التي دائمًا ما تحاول اصطياد نقاط تكسر بها إرادة الأسرى وصمودهم…".
[ الأسير المحرر عثمان عاصي من بلدة قراوة بني حسان ]
ماذا لو كان بيننا زوجي أحمد المغربي وأخي محمود هماش؟
لو كان معنا لكنا كزهر الربيع الذي ارتوى بماء رقراق شتاء، لرُسمت ابتسامة وردية سرمدية على شفاهنا..
لو كان معنا لنفضنا عنا غبار غربةٍ لطالما استوطنت بيتنا، وخرجنا معه مكبرين حامدين لصلاة العيد، وقمنا بواجباتنا تجاه أحبتنا وأرحامنا دون حزنٍ أو ألم.. لنا أنت يا إلهي..
لن تطرق الفرحة قلوب أهالي الأسرى وذويهم وسيمرّ العيد ثقيلًا حزينًا مُرًّا، وما لم يتحرّر أبناؤهم من سجون الاحتلال فإنّهم سيشاركون الشّاعر استقباله للعيد بالقول :
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ |
بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ |
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ |
فَلَيتَ دونَكَ بِيدًا دونَهَا بِيدُ |