مذكرات أسيرواقع السجون

الشّتاء فصل المعاناة … والذّكريات

بقلم: يحيى صالح

بين أربعة جدران باردة وباب حديدي، وفي خيام تشتكي زمهرير البرد القارس، يمكث سبعة آلاف أسير فلسطينيّ، كل واحد منهم على سريره في غرفة أشبه ما تكون بـ”الثلاجة”، يستذكرون شعلة النار وأنس كانون النار يلتفون من حوله، وأياما لم يمحها الزمن من ذاكرتهم، تقطع حلمهم نسمات البرد والهواء من تحت البطانية ” الخرقاء.”

درجات الحرارة في السجون، تنخفض كثيراً نظرا لموقعها الذي اختير جيدا من قبل مصلحة السجون، ليكون عقابا ووبالاً على كل من يدخلها في هجمة ودراسة ممنهجة، من أجل التّضييق على الاسرى الفلسطينيّين.

داخل الأقسام تكون الرطوبة عالية، ودرجة الحرارة منخفضة جدّا، ولا وسائل تدفئة بالطّبع، فيما معاناة الأسرى الذي يقبعون في الخيام تكون مضاعفة.

حينما يبدأ السّجّان بلفّ ” كلبشاته” حول أقدام الأسير، في صباح يوم شتوي بارد، تحرق لسعات البرودة الشّديدة كل موضع خليّة في جسمه لتشتعل خلاياه طربا على وقع الألم والمعاناة، سيما البرد من جهة، وربط اليدين والقدمين من جهة أخرى.

في كلّ بداية شتاء، تترنم أحاديث الأسرى حول الحلم الذي لطالما يراوح مكانه دون تحرّك، وبانتظار تحققه، ينفرد كل أسير بإطلاق عنان خياله عن تلك اللحظات التي تجمعه وأحبابه حول ” كانون” النار، والأنس الذي يجمعهم بحرارة دفئه، ويسهب أكثر وأكثر في تلك اللّحظات.

هذا الاسير، حال خروجه وبعد انتهاء مراسم الاستقبال والسّلام على كل الأحباب، يريد أن يشعل النار في كانون وعليه ” الكولك” ليشبع نفسه من لذّة اللّحظات الجميلة التي لطالما حرمته قوّات الاحتلال منها لأكثر من عشرين سنة ونيف، وبانتظار لحظة الفرج “والترويحة ” سيبقى يحلم ويحلم ليكون بارقة أمل ومعين بعد الله على تحمل تبعات هذا السجن المرير.

في زاوية الغرفة، كان أسير تجاوز عمره الخمسين عاما، كلّ حلمه بأن يتربّع على صهوة المنزل وبجانبه تجلس “عجوزه” الأربعينيّة، وترفع له دلّة القهوة، وتقول له ، هل من مزيد يا أبا ابراهيم، ويجيبها نعم نعم، .. ويطلق تنهيدة تفاجئ من في الغرفة، ويقول لهم: إنّه الحلم.

فصل الشّتاء ثقيل على الأسرى، يكشف حجم النّقص الحادّ في الأغطية والملابس الشتويّة التي يعاني منها الأسرى، تحديدًا في سجون الجنوب، وتتضاعف معاناتهم خلال الاقتحامات اللّيليّة، والعدّ الصباحيّ أو المسائيّ في هذه الأجواء الباردة، لكن، تبقى الأحلام عصية على الانكسار، حتى موعد يوم الخلاص.

ويبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال 7 آلاف أسير، منهم 300 طفل قاصر، و53 أسيرة، بينهنّ 11 فتاة، و700 أسير إداري و22 صحفيًا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى