
تكون جالس معه وهو يتألم من وجعه من مرضه من عذابه اليومي وهو المقيم الدائم في تلك المقبرة ،في ذاك المكان الذي يسمى زورا (عيادة ) وبهتانا أطلقوا عليه شذاذ الآفاق وأعداء الواقع والإنسانية والتاريخ (مشفى الرملة) أو بلغتهم المسروقة من لغتنا (الميراج أو الميراش )وفي مقابل صراخه ووجعه الداخلي الابتسامة التي لا تغادره ،ترى في عيونه ترى الرحيل والموت والشهادة ،كأنك أمام إنسان وشخصا مودع إلى علياء المجد والخلود وكأنه يقول من هنا خرج العم الأسير زهير لباده شهيدا تحت سياط الإهمال والتقصير الطبي ،وفي قرارته السليمة ينادي على اشرف أبو اذريع الذي ارتفع شهيدا بعد أن ودعه معتصم ويقول له اللقاء هناك في الجنان ،وقال للأسير المحرر والشهيد فيما بعد جعفر إبراهيم عوض أخي إن مت فأنت شهيد فلترسل سلامي على ميسرة أبو حمديه وعلى نعيم شوامره وعلى حسن ترابي وعلى راسم حلاوة و إبراهيم الجعفري وعلى العم أبو إسماعيل و ياسر حمدوني ،وابلغهم أنني يوما سأكون معكم .
يقف معتصم على نافذة زنزانته رقم (1)مقابل لزنزانة خالد الشاويش المشلول وهو يصرخ من وجع شظايا زرعها آخر محتل في هذا العالم بجسده ،ومعه منصور موقدة وهو وأمعائه ومعدته خارج جسمه النحيل وينادي علي ما تبقى من ضمير و إنسانية قائلا وبحزن أريد أن أموت كنعيم الشوامرة في أحضان أمي ويحرف معتصم عيونه يمينا باتجاه زنزانة رقم (3)وفيها الأسير المبتور القدمين ناهض الأقرع وهو ينادي على طبيب العيادة والمقبرة أريد مسكن للوجع الشديد الذي يصيبني ولا احد يرد على صرخاته ونداءاته ،ومعه في الزنزانة رياض العممور وقلبه الموجوع الذي لا يعمل إلا على بطارية ومعه مراد أبو معيلق وأحيانا يكون برفقتهم بالزنزانة المناضل العنيد وصاحب سفينة (كارين أي )السبعيني الذي اجتمعت عليه كل أمراض الدنيا اللواء والعسكري المحترف فؤاد الشوبكي الفتحاوي الذي ينتمي لمدرسة الكفاح والثورة مدرسة سعد صايل وأبو جهاد ،ويزورهم في بعض الوقت المريض من سنوات إياد أبو ناصر وإياس الرفاعي،وذاك الفدائي الصادق والخطيب المفوه ابن رفح المصاب بالسرطان يسري عطية المصري الذي تشهد له ميادين العزة والكرامة وتعرفه سرايا القدس جيدا كما تعرف معتصم رداد رفيق درب الشهيد علي أبو خزنه ولؤي السعدي وما أدراك ما لؤي .
معتصم يصرخ بصمت ،ويتألم بهدوء وسكينة وإيمان ملأ قلبه المعلق بربه ،وتراه في صلاته وهو يرتل القران كأنه حواري من حواري المسيح عليه السلام وتلميذ من تلامذة صاحب مدرسة الإيمان والوعي والثورة والالتزام وعشق الشهادة مدرسة الأمين المعلم فتحي الشقاقي ودائما يردد(إن الله مع الصابرين )وأنه ،فصبرا أخي معتصم على وجعك الذي هو وجع الأحرار والمخلصين والمقهورين لقهرك،فصبراك كصبر عمار وياسر وسمية والحسين وزينب وفتحي ورفقائه في المسيرة الممتدة من شعاب مكة إلى زقاق غزة والشجاعية والخليل وفي عرينك صيدا المقاومة والنضال والجهاد عرين الشهيد شفيق عبد الغني وإخوانه الراحلين نحو وعد السماء .
معتصم طالب رداد ابن بلدة صيدا قضاء طولكرم مقاتل من مقاتلي السرايا كان رياضيا معافى سليما دخل الأسر وأصيب من سنوات بسرطان في الأمعاء لا يقدم له العلاج سوى حفنة من الدواء يذبل يوما بعد يوم ،ينقل أحيانا من سجن إلى آخر عقابا له في عربة الموت عربة القهر عربة أو سيارة(البوسطه) انتقاما منه لاحتجاجه على معاملة السجانين الذين يطلقون على أنفسهم زورا (أطباء ).
ما هذا الحقد على معتصم وإخوانه ،ما هذه الكراهية والسادية ،يبدو أن هذا العدو الكيان الصهيوني يقول للعالم ماذا فعل بنا الوحش النازي في ألمانيا (وان صدقوا ) سأفعل بكم و بشعبكم وأسرى فلسطين أكثر ما فعل بنا الوحش النازي (هتلر ) ،وسوف أجعلكم تكفرون وتندمون على نضالاتكم وتضحياتكم وسأجعلكم معاقين ومرضي نفسيين وفاقدين للأهلية والعقل ،وأنني كدولة إرهاب لا اعترف بكل قوانين الأرض ولا حتى بقوانين السماء وإنني اقر بقانون القوة والقتل والعنف وعليكم أن ترفع راية الخنوع والاستسلام .
ولكن يرد عليهم معتصم وإخوانه الأسري بثقة المنتصر إننا سنبقى على عهد الشهداء والأسرى ومن سار على الطريق ،وان زرعتم فينا المرض والوجع والحسرة والقهر بداخلنا لن نستلم لإرادتكم وعنجهيتكم ،وحتما لنا لنصر والحرية وان لم تكن الحرية فالشهادة هي العنوان ،وسنبقى نرد معا شهيد وراء شهيد والموكب عم بزيد ،ونرد نشيد الأبطال وصيتي لكم إن كنت لن أعود التقي بكم في جنة الخلود سأرسم الحدود دماءا وورود.
فسلاما لك أخي معتصم وأنت الحي الشهيد ،وسلاما على من يسكن معك ويشارك الوجع في المقبرة والعيادة ،فسلاما على رفقاءك الشهداء والأسرى ،معتصم رداد وجع المنسيين والمقهورين والمسحوقين .