
إيمان عز الدّين(تونس)
التّعذيب
“إذا كان ثمن حرّيّة شعبي فقدان حرّيّتي فسأدفع هذا الثّمن”
يتحدّث مروان البرغوثي في الفصل الأوّل من الكتاب عن مواجهته مع شرطة الاحتلال خلال أربعة أشهر من التّحقيق تعرّض فيها لضروب مختلفة من التّعذيب النّفسي والجسدي بهدف حمله على الاعتراف بما نُسب إليه من تهم.
وقد عدّد في هذا الفصل أساليب الاحتلال المنتهجة أثناء التّحقيق مع المعتقلين أذكر منها خاصّة كسر الظّهر “وذلك من خلال الجلوس على كرسيّ مقيّد اليدين والقدمين، على كرسيّ صغير من حديد أو بلاستيك جامد متعب وشاقّ جدا، في مقعده نتوءات حادّة تجعل من الجلوس عليه مهمّة صعبة وتشكّل تعذيبا إضافيّا فضلا عن القيود في اليدين، فيما الذّراعان تكونان خلف الكرسي”، الحرمان الكامل من النّوم، السّبّ الشّتم والإهانة إضافة إلى زرع العملاء في السّجون لتقصّي المعلومات. وكلّها أساليب تهدف إلى التّحقير والحطّ من المعنويّات.
لاشرعيّة لمحاكم الاحتلال
“إنّني أعلن هنا عدم اعترافي بصلاحيّة إسرائيل في اعتقالي واختطافي والتّحقيق معي ومحاكمتي، وأعتبر إجراءاتها كافّة جريمة من جرائم الحرب”
هي صرخة أطلقها البرغوثي في وجه محاكم الاحتلال التي ما انفكّت تشكّل أبرز حلقات الاضطهاد تجاه الأسرى الفلسطينيّين بمساهمتها في إضفاء صبغة شرعيّة للممارسات اللّاإنسانيّة تجاههم.
زنازين العزل…أو مقابر الأحياء
أمضى مروان البرغوثي في السّجن الانفرادي قرابة الثّلاث سنوات تحايل فيها بكلّ الطرق على السّجّان فقط من أجل التّواصل البشري ومن مرارة هذه التّجربة التي كانت نواة هذا الكتاب انطلق ليروي لنا بقيّة معاناة السّجناء الفلسطينيّين. “وقد عانى الكثير من المجاهدين والمناضلين من العزل بأشكاله المختلفة داخل زنازين السّجون، وأصيب عدد لا بأس به بأمراض صحّيّة وجسديّة ونفسيّة خطيرة، وبعضهم أمضى أكثر من خمس سنوات في زنازين العزل, ولا يزال بعضهم موجودين فيها و منذ فترة طويلة…إنّ سياسة العزل هي سياسة الموت البطيء للأسرى, الذين تدفنهم سلطات الاحتلال في قبور موحشة, تسمّى الزّنازين, وتمارس بحقّهم كلّ أنواع البطش والقهر والتّعذيب النّفسي والجسدي.”
وعن زنزانته كتب “…أمّا طول الزّنزانة فهو جيّد نسبيّا، حيث يصل إلى مترين والعرض لا يزيد عن 120 سنتمر والارتفاع ثلاثة أمتار ونصف تقريبا وهناك باب حديدي مغلق تماما وفيه فتحة بطول وعرض عشرة سنتيمترات وفيه أربعة قضبان صغيرة طولا وعرضا مع غطاء يفتحه ويغلقه السّجّان متى يشاء…في الزّنزانة ضوء خافت ومحدود وإذا أطفئ النّور تصبح الزّنزانة مظلمة كلّيّا …وفي الغالب فإنّ السّجّان هو الذي ينير الضّوء ويطفئه, لأنّ مفتاح تشغيل الإنارة يقع خارج الزّنزانة …هناك مكان يسمّى مجازا حمّام لقضاء الحاجة وهو قديم جدّا وفي حالة مزرية وبائسة ومحفور بالأرض إلى درجة يغدو معها قضاء الحاجة عمليّة صعبة وشاقّة…في الزّنزانة أيضا حوض صغير يسمّى مغسلة…”
معركة الأمعاء الخاوية
كان لحركات الإضراب المفتوح عن الطّعام في صفوف الأسرى على مدى العقود الماضية دور كبير في افتكاك جزء من حقوقهم داخل أسوار السّجن مثل الحصول على الزّيارات، تأدية الصّلاة جماعة، الحدّ من الازدحام والضّرب والعنف وغير ذلك…
وقد أشاد الكاتب في أكثر من مناسبة بهذه الحركة النّضاليّة والحسّ العالي من الوعي والتّنظيم الذي تتمتّع به. “لقد دفعت الحركة الأسيرة التي تتمتّع بقدر عال من الوحدة والتّنظيم الكثير من التّضحيات لتحقيق بعض الإنجازات ولتحسين الظّروف الإنسانيّة في السّجون، وسقط خلال العقود الماضية ما يزيد عن المائتي أسير شهداء داخل السّجون والمعتقلات وزنازين التّحقيق, وسقط عدد منهم خلال الإضرابات المتكررة والمفتوحة عن الطّعام.”
كلمة أخيرة
هذا الكتاب يشكّل إذن مادّة دسمة لكلّ من يُعنى بالقضيّة الفلسطينيّة وقضيّة الأسرى حيث لم يكتف البرغوثي فقط بسرد مصاعب الحياة داخل المعتقلات الصّهيونية وإنّما انتقل أيضا إلى تسليط الضّوء على من هم خارج السّجون من أبناء الشّعب الفلسطيني كذوي الأسرى وغيرهم, كما لم يهمل إبداء رأيه في الشّأن السّياسي و الدّعوة إلى الوحدة بين مختلف الفاعلين فيه…وظهر أيضا جليّا من خلال هذا المؤلّف صورة البرغوثي الابن، الأب والزّوج من خلال الحديث عن اعتقال ابنه والدّور الكبير الذي لعبته ولاتزال زوجته فدوى في مسيرته النّضاليّة.