
بقلم :فاطمة سباعنة
يعيش الإنسان أيّام عمره يحاول جاهدا أن يحصل فيها على ما يريد أو يحقّق الأماني والأحلام …وما أجمل أن تتحقّق الأماني بمهنة انتظرها أو بيت يسكنه أو شريك عمر يعيش الحياة معه بكلّ حبّ ..وهاهو الأسير الفلسطيني يدخل الأسر حالما بيوم الحرّيّة ..حالما بيوم اللّقاء بين الأحبّة …حالما بيوم يقبّل فيه كفّي والدته التي طالما خاف عليها من مرضها أن يغدر بهما ويفرّقهما ..حالما بلقاء أطفاله الذين حلموا بضمة دافئة تعوّضهم برد تلك اللّيالي البائسة ..حالما بعيون شريكته التي ما برحت دقّات قلبها تنبض بما يعيشه …حالما بلقاء دافئ يعوّضه برد تلك الزّنازين الحادّ…ولكن انتظار ذلك اليوم ينتهي إلى أحد حالين: أمّا الأوّل فهو تحقيق كلّ ما سردت أمّا الآخر فهو تبدّد تلك الآمال وحرقها كأنّها سراب …وهذا الحال يصيب الآلاف من أسرانا الإداريّين فمنهم من يصل إلى اليوم الموعود ويتنّسم هواء الحرّيّة ومنهم من يصل إلى رائحة الحرّيّة ويعود أدراجه في آخر لحظه وآخر ممرّ للخروج إلى العالم الآخر وهنا قصّة ألم لا حدود لها حيث يكون قد تقرّر الإفراج عن هذا الأسير وتقوم مصلحة السّجون بإجراءات الإفراج على أكمل وجه ويتمّ إيصال الأسير المحرّر إلى آخر نقطة وبعدها تأتي دوريّة أخرى من الاحتلال لتعيد اعتقاله والتّمديد الإداري له من جديد.
هذا ما عايشته مع أهل أسير حيث تقوم نساء الحيّ بالتّجمّع في بيت الأسير لاستقباله وتهنئة ذويه وتقوم الزّوجة بإعداد نفسها وبيتها وأطفالها وحلوى الإفراج والقهوة العربيّة وتمضي السّاعات بالانتظار وتتكلّل هذه الساعات بالدّعاء أن تتمّ عمليّة الإفراج وما هي إلاّ لحظات يصمت فيها الجميع عند اتّصال الأسير بأهله عن طريق من أعادوا اعتقاله مرّة أخرى “لا تقلقوا عليّ فقد جدّد لي الاعتقال مرّة أخرى ..” لحظات نستجمع فيها قوانا لنشدّ من أزر من تبدّد أملهم وانطفأ نور فرحتهم، دموع تسيل عفويّة، دموع محرقة دموع ليس بعدها إلاّ صمت يعيدنا بذاكرتنا إلى أن العدوّ هكذا هو سارق الأحلام فهذا النّوع يكون أكثر ألما وأكثر وجعا للأهل والأسير. أمّا النّوع الأخير وهو التجديد قبل انتهاء المدّة الأصليّة فمثاله ما حصل مع زوجي: كنت أعدّ أيّام حكمه الأخيرة بالدّقائق والسّاعات ويزيدك ألما انتظار أطفالك له حيث نطوي كلّ يوم مضى وننتظر آخر إلى أن أتاني خبر التّجديد، نستقبل ذلك الخبر بخليط من المشاعر، لحظات قصيرة يمرّ عليك ألف ألف مشهد كنت منتظرا له ..مشهد فرحة أطفالي ولقاء والدهم، فرحتنا به ..وفي نفس المشهد ذلك الأسير الذي طالما انتظر هذا اللقاء …حلم انتهى بأمل جديد للقاء حتما سيأتي يوما.