أبطال المؤبدات والأحكام العالية

أبطال الصف الأول

تقرير خاص للمجلة

منذ أن دنست القدم الصهيونية أرض فلسطين حتى أحدثت فيها من القتل والتشريد والتعذيب ما أحدثت، محاولة بذلك زرع الخوف في قلوب الفلسطينيّين وتهجيرهم من بيوتهم وأراضيهم، ولكنها لم تدرك أن خصمها سيحمل روحه على راحته ويتقدم واثق الخطى زاهدًا في نفسه ومدافعًا عن أرضه ببندقيته وفأسه .. وأظفاره.

 

سلالة مقاومة ..

تسابقت العائلات الفلسطينية على نذر الشهداء، فكل بيت في فلسطين جاد بدمائه وسنوات عمره فداء للوطن المكلوم، فعائلة المرحوم “ساري حسين” هي إحدى العوائل المناضلة، تلك التي ضحّت وما زالت تقدّم لهذا الوطن الكثير وتُهدي إليه سطورًا من المجد والعطاء تستحق أن تُحفظ في سجل الأوفياء، فأسيرنا البطل “عدنان ساري حسين” ابن مخيم طولكرم الصامد، والمولود في مدينة نابلس في الحادي عشر من شهر يناير عام 1986، واحدٌ من نسل تلك الشجرة الطيبة التي سُقيت بحب الوطن فأنبتت أبطالا.

وعدنان، هو السادس بين أشقائه، تلقّى تعليمه في مدارس مخيم طولكرم، وأي مدرسٍة تُربّي تلاميذها على الوطنية كما يفعل المخيم! فقد نضج وعيه هناك وترسّخت بداخله المسؤولية تجاه بلاده، فأقبل على العمل النضالي في شبابه بنَهَم إلى أن تمكنت قوات الاحتلال من اعتقاله في الثالث من مارس عام 2004 بعد محاصرة منزله.

لم يكن عدنان المناضل الوحيد في عائلته، فقد سار على ذات نهجه المقاوم شقيقاه “محمد” و”أحمد” اللذان اعتقلا أيضاً بعد مسيرة نضالية مشرفة، فحوكم الأشقاء الثلاثة بأحكام متفاوتة، فقد نال شقيقه “أحمد” الحكم الأعلى بمؤبد و35 عامًا، أما عدنان ومحمد فقد تشاركا بالحكم أربعة وعشرين عامًا لكل منهما.

 

تحقيق قاس .. وأوجاع مزمنة

تعرّض أسيرنا لتحقيق قاسٍ في مراكز التحقيق دام خمسين يومًا انتهى بالحكم عليه بالسجن أربعة وعشرين عامًا، كانت لحظات التحقيق قاسية جدًا، فقد تلقى خلالها ضربًا عنيفًا على رأسه أحدث له آلامًا مستمرةً في أذنه الوسطى، وقد رفضت إدارة السجون عرضه على أطباء مختصين لتقديم العلاج المناسب له.

 

تفريق الأشقاء .. جزء من العذاب

مارست إدارة السجون الظالمة بحق الإخوة سياسة التفريق المتعمَّد، فحرموهم من لقاء بعضهم داخل الأسر، ووُضِع كل من عدنان ومحمد ساري في زنزانة منفصلة عن الآخر وفي أقسام مختلفة خلال فترة اعتقالِهما في سجن “رامون” الصحراوي، ولم ينجحا رغم محاولاتهما الكثيرة بالاجتماع معًا سوى مرة واحدة، ومغالاةً بالعنجهية؛ بلغ بإدارة السجن الأمر أنها حددت لكل منهما زيارة منفصلة في وقت منفصل مع الأهل مما زاد من المعاناة والألم.

وقد تنقّل عدنان بين عدة سجون بشكل مستفز متعمّد وبدون أسباب مباشرة لخلق حالة من عدم الاستقرار حتى داخل السجن لينتهي به المطاف في سجن “هداريم” منذ عام 2015.

أم محمد لا تترك صور أبنائها الأسرى ولا تفارقها ذكرياتهم، “أفخر بصمودهم وتحديهم للاحتلال وظلمة الأسر، وأحصي الأيام والساعات والسنوات بانتظار حريتهم”.

 

الأخبار الأليمة من خارج السجن .. نار تكوي القلوب

تلقى الأشقاء الأسرى خبرًا مفجعًا في عام 2008 لم يكن بالحسبان مطلقًا، إذ أُبلِغوا بوفاة والدهم الذي دُفن و وُورِي التراب دون أن يتمكنوا من السير في جنازته ولم يُلقوا عليه نظرة الوداع الأخيرة.

تستذكر أم محمد أيام زوجها الأخيرة “عندما تدهورت حالته، لم يتمكن من الزيارات، فكان يبكي لعدم قدرته على رؤيتهم واحتضانهم قبل رحيله، كانت أمنيته الوحيدة الفرحة بحريتهم وزفافهم…”، وتضيف بألم: “كل يوم أتضرع لرب العالمين ليمد في عمري حتى أراهم في أحضاني، ولا يعيشوا فاجعة رحيلي كما حدث مع والدهم…”.

 

عدنان .. ومعركة جديدة مع المحتل

خاض البطل عدنان ساري إضراب الكرامة عام 2012 مع إخوانه الأسرى، وفقد من وزنه بسبب الإضراب أكثر من 17 كغ، وبالرغم من الإضراب الكامل عن الطعام ولأكثر من 28 يومًا متواصلة، استمر عدنان طيلة هذه الأيام بخدمة إخوانه الأسرى المضربين رغم المعاناة، إذ كان يُلبّي لهم احتياجاتهم ويقدّم لهم المساعدة والعون، فاكتسب محبتهم واحترامهم.

 

هي قصة من مئات القصص الفلسطينية، وهذه عائلة من آلاف العائلات، وبطلها واحد من آلاف الأسرى الأبطال الذين هم جنود الوطن الحقيقيون، يتقدمون الصفوف ولا ينظرون إلى الخلف.. جباهُهم في السماء وعيونهم إلى يوم التحرير.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى