أبطال المؤبدات والأحكام العاليةبالورقة والقلم

  الأسير أحمد المغربي.. وماذا تضيف 8 سنوات من السّجن إلى 18 مؤّبدا؟

بقلم :هبة أبوستة.

دوما على أكتاف المقاومين تجثو بشائر النّصر, النّصر الذي يجيء بعد كلّ هذا الليل.. وهذا الوجع.. وهذا الصّمود, فيرسمون للوطن حدودا بدمائهم, وصبرهم, وقوة عزيمتهم.

وعيون الأبطال التي تهزم قيد السّجّان, وتهزم زرد السّلاسل التي تنحني للبطل الذي يظل وفيّا لمعشوقته, وللعشق الذي زرعه في روحه لأجلها, فثار للدفاع عنها, والانتقام من عدوّها..

وفي غرف التّحقيق يحدث من المعاناة والوجع والضّغط ما لا يخطر على بال أحد.. وما بعد التحقيق يظلّ العشق نديّا وقويّا.

في أواخر أيار مايو 2002 اُعتقل أحمد يوسف المغربي بعد عدّة محاولات اغتيال فاشلة, بتهمة قتل العشرات من الصّهاينة في عدّة عمليّات متفرّقة, منها عمليّة الشّهيدة آيات الأخرس, ليحكم عليه الاحتلال بالسجن  18 مؤبداً.

أحمد الذي ولد عام 1974 في مخيّم عين الحلوة بلبنان, امتصّ مع حليب صدر والدته عناد المخيّم وعشق الوطن, لينتقل للعيش في مخيم الدهيشة ببيت لحم , بعد حصوله على شهادة الثّانوية العامّة من ليبيا ليلتحق بالجامعة في رام الله لدراسة إدارة الأعمال, لكن الظّروف التي كانت تعيشها أسرته حالت دون إكمال دراسته, فاتّجه للعمل لتخفيف العبء عن والده.

وكباقي شباب فلسطين كان أحمد يطمح إلى الحياة الكريمة والآمنة, لكن الانتفاضة غيّرت كلّ مفاهيم أحمد عن الحياة.. فهب منتقما من العدوّ الذي يستبيح أرضه ويحيلها إلى خراب ودماء وأشلاء, ليردّ له الصّاع بمائة ويوجعه في عقر داره, العدوّ الذي قتل شقيقه محمود وهدم منزله.

في عام 2001 تزوج أحمد على عجل , قضى خمسة أشهر في عشّ الزّوجية, ليتمّ اعتقاله تاركا في رحم زوجته جنينا خرج إلى الدّنيا وكبر بعيدا عن ناظره, أسماه محمود تيمّنا بشقيقه.

تعرض أحمد إلى شتّى أنواع التّعذيب والقهر في مراكز التّحقيق ليضعه الاحتلال عام 2004 في السّجن الانفرادي انتقاما من روحه التي لا زالت تحفظ وعدها مع بلاده, روحه التي لم تندم أنّها قدّمت هذا العمل بفخر وعزّ في زمن كسا فيه العهر كلّ سيوف العرب.

وفي عام 2012 خرج أحمد من العزل الانفرادي بعد خوضه العديد من الإضرابات المفتوحة عن الطّعام, هذا العزل الذي أورثه جرثومة في المعدة زاد على ألم القيد أوجاعا.

ظلّ أحمد مكابرا في سجنه كشجر السّنديان، لم يهزّه الحكم الجديد الذي أضافه الاحتلال قبل أسابيع قليلة بحقه بتهمة التحريض وتشكيل خطر على أمن الاحتلال, لكن في مخيّلته تكبر نور وسندس  اللتين أنجبتا من نطفة تمّ تهريبها من السّجن, كأنّه يشاهد ضفائرهما الجميلة, وصوت ضحكاتهما ودمع بكائهما, وهما تنتظرانه بشوق لاحتضانه.

تظل فلسطين قابعة في فكر الأسير أحمد وروحه, وهي ترسل له كلّ ليلة نسائم الحنين لتداعب جفنيه برفق, مخفّفة عنه أوجاع السّجن وجرح البعد عن الأهل, حاملة له رائحة من تراب قبر شقيقه الشّهيد, وصورة شقيقه المبعد إلى غزّة, وتذكار من الأقصى معبق بالحبّ والياسمين, مطرّزا بآيات الذّكر وأصوات التّكبير.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى