تقرير خاص بالمجلة
يُحكم الاحتلال الصّهيونيّ سيطرته على القدس والدّاخل الفلسطينيّ ويحاول بشتّى الطّرق التّسويق ليهوديّتهما؛ ضاربًا بكلّ وحشيّة محاولات الفلسطينيّين إثبات وجودهم كأصحاب أرض يدافعون عن حقوقهم بكلّ الوسائل.
وبتعدّد أوجه صمود المقدسيّين اختار أربعة منهم التّوجّه إلى المجلس التّشريعيّ الفلسطينيّ لتمثيل القدس فيه والدّفاع عنها ضدّ غطرسة الاحتلال، وهم: أحمد أبو طير، أحمد عطوان، محمد طوطح، وخالد أبو عرفة.
"أوري بار أون" الإبعاد أو الاستقالة؟
بدأت فصول الحكاية عندما فاجأ الأربعة مقدسيين الاحتلال بالوقوف في وجهه بإعلانهم عن ترشحهم للانتخابات من داخل المسجد الأقصى المبارك، إيمانًا بحق المقدسيين في تمثيل شعبهم وأملاً أن يكونوا حلقة الوصل مع فلسطينيّي الداخل المحتل، لتلتحم الأرض من بعد تقسيمها، فقوبلت خطوتهم الجريئة باعتداء الاحتلال عليهم بالضرب والاعتقال والتهديد.
وبعد انتخابهم كنواب عن القدس كان رد المحتل جنونيًا باستدعائهم 17 مرة وإبعادهم عنها قسرًا، حيث خيَّر وزير داخلية الاحتلال السابق "أوري بار أون" في يوم 29 مايو عام 2006 النواب المقدسيين بين الاستقالة من المجلس التشريعي الفلسطيني أو الإبعاد ومصادرة إقامتهم ووثائقهم الشخصية بحجة "عدم الولاء" للكيان الصهيوني، ثم توجّب عليهم اتخاذ قرار في مدة لا تزيد عن شهرٍ واحد.
رنين القيد قد قُرِع
لم يكن المحتل يرمي بالسهام عبثًا، فقد أطبق فكّيه على مدينة القدس وتفرّد بأهلها ومسجدها، وفي هذا الإطار يقول النائب أحمد أبو عطوان: "حُرمنا من عبق القدس كإجراء عقابي ضد الشعب الفلسطيني، ففي التاسع والعشرين من مايو عام 2006 قامت إحدى فصائل المقاومة الفلسطينية بعملية في "تل أبيب" فأصدر الاحتلال قرار إبعادنا".
رنين القيد قد قَرَع أبواب النواب المقدسيّين، فبعد أسر الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط" أمضوا عامين إلى ثلاثة أعوام داخل سجون الظلام، ليفرج عنهم عام 2010 ثم يجدَّد قرار إبعادهم إلى الضفة الغربية، فيبدؤوا صمودًا جديدًا باعتصامهم في خيمة الصليب الأحمر مدة 19 شهرًا، قدّموا خلالها عريضة إلى مسؤولي الصليب أبلغوهم فيها رفضهم قرار إبعادهم عن مدينة القدس.
أثناء اعتصامهم لم تنم أعين النواب عن قضايا الساحة الفلسطينية، فعقدوا الندوات والمؤتمرات الصحفية داخل خيمة الاعتصام تضامنًا مع الأسرى والمسجد الأقصى المبارك، مما اعتبره المحتل تهديدًا لأمنه، فقامت وحدات المستعربين معزَّزَة بقوات خاصة باختطافهم بعد مضي 566 يومًا من الثبات؛ من داخل مقر الصليب الأحمر في حي "الشيخ جراح" ليغيّبوا في السجون مدة عامين.
أرض سكنوها فسكنت قلوبهم
هكذا سقطت حقوق النوّاب المقدسيين، فلم تقف منظمات الحقوق الدولية ولا الإنسانية إلى جانبهم ولم تشفع الحصانة الدبلوماسية لهم لتصد قرار إبعادهم قسرًا إلى قطعة من أرض فلسطين -مدينة جنين-.
أنفسهم تواقة وعيونهم إلى القدس ترنو، اجتاحهم الحنين فدفعهم ليستقروا في مدينة البيرة بمحافظة رام الله فيجاوروا مدينة القدس راجين فتحًا قريبًا، أما النائب محمد أبو طير فلا زال يرقُب فجر الحرية من خلف قضبان زنزانته التي يقبع فيها منذ التاسع والعشرين من يناير 2016، ليُمضي من عمره ما مجموعه 34 عامًا في سجون المحتل الصهيوني.
في ذكرى إبعادهم العاشر لم تخبُ الهمم ولم تنكّس الرايات
النائب أحمد أبو عطوان: "القدس هي الماضي، الحاضر والمستقبل، والمسجد الأقصى جزء من عقيدة الأمّة الإسلامية، وجب على الأمّة بأسرها أن تدافع عن مسراها وأسراها وتبذل الغالي والنفيس من أجل إطلاق سراحهم وكفالتهم، والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا حكامًا ومحكومين، رسميّين وشعبيّين، هل قدَّمنا كل ما نستطيع وبذلنا كل الجهد من أجل الانتصار لقضية الأسرى ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟".
في أحياء البلدة القديمة جابت أحلامهم ترجو يوم عودتهم المنتظر، هناك حيث رائحة الكعك وضحكات أهل القدس عند عتبات البيوت، تدنو خطواتهم، فإذا بمكتبات القدس تطوّق المسجد الأقصى لترسم طريق النور والنصر من بين دفّات الكتب، على مشارف أبوابه تعلو كُرَة فإذا بهم أطفال مصاطب العلم يركضون في ساحاته الخضراء، وحلقات الذِّكْر تحطم جدران الظلام ليبقى السور باطنه الرحمة وظاهره العذاب.
زر الذهاب إلى الأعلى