تقرير خاص بالمجلة
حرص الأسرى على البقاء بالقرب من مسرح الأحداث بكافة الطرق والوسائل المتاحة، فقدموا التضحيات وخاضوا الإضرابات المفتوحة عن الطعام من أجل الحصول على حقوقهم، على الرغم من سياسة الاحتلال الرامية إلى إبقاء الأسرى خلف أسوار المعتقلات والتضييق عليهم ومنعهم من التواصل مع المجتمع، فهل نجح الاحتلال في عزلهم عن الحياة؟
دور المكتبات
يقول الأسير مروان البرغوثي في كتابه (ألف يوم في الزنزانة): "من مِنَح الحياة، قراءة كتاب تحبه وتندمج فيه وتستمتع بمطالعته خاصة في السجن، فإن كان الكتاب خير جليس للأحرار، فكيف بالكتاب مع من حُرِم الأهل والصَّحب، ألا وهو الأسير؟!".
إن الأسير من خلال الكتاب والرواية والقصة يَخرُجُ من خلف جدران سجنه ليتخطى المكان والزمان، بل ويعيش أحداث القصة كأنما يعيش حريته، فالأسلاك الشائكة وجدران الزنزانة لا تمنع الأسير عقلاً وخيالاً من أن يحلّق في سماء مدن الروايات وأن يتجوّل في شوارع القصة وكأنه أحد أبطالها.
ومن هنا جاء حرص الأسرى على إنشاء مكتبة في كل سجن من السجون يتولون الإشراف عليها بأنفسهم، ولم ينالوا ذلك إلا بعد إضرابات عديدة وفعاليات استنكار من أجل الحصول على حقهم في إدخال الكتب إلى المهاجع، فاستطاعوا تحويل الزنزانة المُظلمة القاسية إلى واحة طيبة للقراءة والمطالعة .
الرسائل
يتواصل الأسير مع ذويه وأصحابه في العالم الخارجي عبر رسائل مكتوبة يقوم بكتابتها وتسليمها إلى إدارة السجن، بحيث تقوم الإدارة بدورها بقراءتها قبل أن ترسلها عبر البريد الفلسطيني، وهذا أبسط أنواع الاتصال الذي يستغرق عدة شهور حتى تصل الرسالة، وبالمثل فإن رسالة الأهل تمكث عدة شهور أخرى حتى يتسنّى للأسير استلامها والاطمئنان على أهله وذويه.
الصحف
أما فيما يخص الصحف فإن إدارة السجون تسمح بإدخال جريدة القدس فقط، وهي من أقدم الصحف الفلسطينية التي كانت تُوَزّعُ في السابق من قِبل الصليب الأحمر على جميع الأسرى بأعداد وكميات كبيرة وبالمجان، ولكن الأمر تغير الآن إذ إن توزيعها أصبح مشروطاً بدفع مبلغ مالي كاشتراك يُمكّنُ الأسير من الحصول عليها، كما يسمح بدخول الصحف العبرية كصحيفة "يديعوت أحرنوت".
وسائل الإعلام المرئية والمسموعة
وإلى الشاشة الفضية -التلفاز- التي يعتبرها الأسرى عنصرًا هامًّا، فقد حرم الاحتلال الأسرى من حقهم هذا طيلة الفترة الممتدة بين الأعوام 1967-1986 إلى أن سمح لهم بإدخال أجهزة التلفاز على حسابهم الخاص التي ساهمت في تغيير أجواء السجن وظروف الأسر وجعلهم مواكبين ومطلعين على التطورات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية، كما لعبت الإذاعات المحلية والعربية والعالمية دورًا هامًا، حيث استفاد الأسرى من التغطية الإخبارية المتواصلة على مدار اليوم وتمكنوا من سماع الأخبار والتصريحات المصيرية المتنوعة وخاصة تلك التي تتعلق بهم، بل إن هذه القنوات وخاصة الفلسطينية منها أصبحت همزة وصل مهمة بين الأسرى وذويهم، فشَرَعت الكثيرُ من المحطات المحلية بتخصيص برامج للتواصل مع ذوي الأسرى على مدار الأسبوع ولساعات طويلة، وخاصة أن العديد من الأسرى لم يتمكنوا من معرفة أخبار ذويهم بسبب قرارات منع الزيارة.
الهواتف المحمولة
في السنوات الأخيرة المنصرمة بدأ الأسرى بالتفكير في إدخال الهواتف النقالة إلى السجون، لما لهذه الخطوة من أهمية في كسر عزلة الأسير عن المجتمع الخارجي والتواصل المتبادل مع الأهل والأحباب، خاصة أن الزيارات للأسرى مقصورة على السماح للأقارب من الدرجة الأولى وحسب، مما حرم الأسرى من لقاء باقي أفراد العائلة، وكان النجاح بإدخال الهواتف فرصة هامة لمد جسور التواصل مع الأهل، وجعلهم أكثر انسجامًا مع التغيرات الاجتماعية والأسرية في عصر الانترنت ووسائل التواصل الحديثة.
وأخيراً، فإن المحتل لم يتوانَ للحظة عن إصدار قرارات تعسفية وقمعية فجائية تسلب الأسير حقه من كل تلك المكتسبات بل وتعيده إلى المربع الأول، إنها حرب طويلة الأمد إذاً، والنصر فيها لصاحب النَّفَس الأطول.