خاص – مجلة سراج الأحرار.
عالم الأطفال مليء بالألوان والأحلام، فتارة تجد الطفل يأخذك الى رواية هو بطلها، وتارة تجده يرسم بأقلامه ويبني بألعابه قصصًا خيالية تملؤها المغامرات كأنها قطار السرعة في مدينة الملاهي يعلو وينخفض، لكن أطفال فلسطين لم تبلغ طفولتهم عالم الأحلام، فهم يستفيقون من عالمهم على صوت القنابل والرّصاص.
ضربت سلطات الاحتلال الصهيونية بعرض الحائط حقوق الأطفال فحرمتهم من حريتهم، وتعاملت معهم كمشروع "مخربين" يجب وأده، فأذاقتهم من صنوف العذاب المهينة والمعاملة القاسية الكثير؛ كالضرب و"الشبح" والحرمان من النوم والطعام، ناهيك عن التهديد والشتائم والتحرش الجنسي، إستخدام أبشع الوسائل النفسية والبدنية لانتزاع الإعترافات، والضغط عليهم لتجنيدهم للعمل لصالح المخابرات الصهيونية، بالإضافة إلى حرمان ذويهم من الزيارة، ومنع تواجدهم معهم في غرف التحقيق على غرار ما تقره الإتفاقيات الدولية، وما يقُره قانون الاحتلال ذاته!
تنتهج حكومة الاحتلال سياسة التمييز العنصري ضد الأطفال الفلسطينيين، فهي تتعامل مع الأطفال الصهاينة من خلال نظام قضائي خاص بالأحداث، تتوفر فيه ضمانات المحاكمة العادلة على إعتبار أن الطفل "الصهيوني" هو كل شخص لم يتجاوز سن 18، في حين تعتبر أن الطفل الفلسطيني هو كل شخص لم يتجاوز سن 16 عامًا.
على الرغم من أن الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتحديدًا إتفاقية حقوق الطفل، قد شددت على ضرورة توفير الحماية للأطفال وتأمينهم على حياتهم وفرصهم في البقاء والنمو، وعدم اللجوء إلى تقييد حريتهم بالإعتقال إلا بعد العجز عن إستخدام الوسائل السلمية المنصوص عليها، فإن سلطات الاحتلال الصهيونية جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين وإعتقالهم تسليتهم الأولى، كما أنها إتخذت من قضية الأسرى مورد دخل دائم لها من خلال فرض غرامات مالية جائرة وباهظة عليهم، فتحولت قاعات المحاكم العسكرية الصهيونية إلى سوق سوداء لإبتزاز الأسرى الأشبال وذويهم ونهبهم، الأمر الذي أرهق كاهل الأُسر في ظل الأوضاع الإقتصادية المتدهورة في الأراضي الفلسطينية.
ومع إنطلاق إنتفاضة القدس إرتفع عدد الأسرى الإطفال بشكل ملحوظ، ويشير عدد من الإحصائيات والتقارير الحقوقية الأخيرة إلى أن سلطات الاحتلال تحتجز في معتقلاتها ما يقارب 700 طفل، يعيشون ظروفًا صحية قاسية، وينتظر عدد منهم أحكامًا عالية قد تصل إلى المؤبد، وقد وُزعَ الأسرى الأطفال على أربعة سجون رئيسية، وهي "عوفر" العسكري الذي يحتجز 135 طفلًا، وسجن "مجدو" الذي يضم 120، وسجن "هشارون" بواقع 45 و"جفعون" الجديد بواقع 40 طفلًا شبلًا.
تشير الإحصائيات إلى أن 28% من الأسرى الأشبال في سجون الاحتلال مقدسيّون، ويظهر أن استهداف الأطفال جاء بعد دفاعهم عن المسجد الأقصى والمرابطين فيه، والتكبير في وجه المستوطنين المقتحمين للمسجد.
حكاية أسر أطفال فلسطين تتجسد في صورة الطفل الأسير شادي فراح البالغ من العمر 12 عامًا وهو أصغر أسير في العالم، حرمته سلطات الاحتلال الصهيونية من براءة الطفولة، فاعتقلته في التاسع والعشرين من يناير 2016 إبّان عودته من مدرسته في حي كفر عقب، وتم إخضاعه لجلسات تحقيق قاسية، بحجة نية تنفيذ عملية طعن واهية كاذبة، برفقة زميله أحمد الزعتري.
الطفلان معاوية (14 عامًا) وعلي (11 عامًا) علقم، تم إعتقالهما في العاشر من شهر نوفمبر عام 2015، من قبل جنود الاحتلال المدججين بالسلاح والخوف، بحجة تنفيذهما لعملية طعن موظف أمن صهيوني داخل القطار الخفيف قرب مستوطنة "بيسغات زئيف" شمالي القدس، اصيب الطفل علي بجراح خطيرة برصاص الاحتلال، ليتعرض من بعدها لتحقيق قاس والشبل معاوية، وليحتجز على إثر ذلك في سجن "هشارون" وينقل إلى سجن "مجدو"، لتصدر محكمة الاحتلال الحكم على علي بالسجن ست سنوات، وعلى معاوية بالسجن ست سنوات ونصف وغرامة مالية قدرها 26 ألف شيكل.
لا يمكن لأحد أن ينسى الطفل أحمد مناصرة ذو 13 ربيعًا وهو ملطخ بدمائه يفترش الأرض يطوقه جنود الاحتلال، إعتقل في الثاني عشر من شهر اكتوبر 2015 بعد أن إتهم بمحاولة طعن صهيوني في القدس المحتلة، وتعرض لتعذيب وترهيب شديد القسوة أثناء التحقيق معه من قبل شرطة الاحتلال، لينهار أمام هذا الوضع.
هو أحد من مئات آلاف الحالات لأطفال فلسطينيين ينتهك الاحتلال حقوقهم وطفولتهم البريئة كل يوم، والتي تنص القوانين الدولية والإنسانية على ضرورة حمايتهم.
ولا شك في أن الاحتلال الصهيوني لم يقدم على إلحاق هذا الكمّ المريع من الأذى بالأطفال الفلسطينيين إلا لأنه يراهم جيلًا ثوريًا قادمًا نحو غد التحرير بخطى ثابتة، سائرًا على درب من سبقوه من القامات، ومحملًا بما يلزمه من الأسلحة؛ سواء كانت سكينًا أو حجرًا أو… علما.