بقلم: ثامر سباعنه.
يبقى الأمل مغروسًا في صدور الأسرى رغم قسوة السجن وقهره وحلكة لياليه، وتبقى بذور الأمل مغروسةً وما أن تلقى الحبّ حتى تبدأ بالنمو والازدهار، الحبّ هو أجمل بذور الأمل، وأفضل وقود يشعل القلوب صبرًا وتحملًا لأوجاع القيد والبعد.
في سجني تعرفت على بطل حكايتي الاولى ألا وهو الأسير المريض بسام السايح، كانت زوجته "منى" حينها معتقلة أيضًا في سجون الاحتلال، وعلى الرغم من مرض بسام والحالة الصحية الصعبة التي كان يعيشها إلا أن همه الأول كان زوجته، بل إنه في أشد لحظات المرض صعوبة وعندما كان يصل إلى مرحلة الغيبوبة كان يردد إسمًا واحدًا فقط إسم "منى"، وأظن أن هذه كانت بذور الأمل والصبر التي تعينه على قرع القيد والمرض.. فك الله قيدك أخي بسام.
شهدتُ حكاية أبطال قصة اخرى جميلة بعد تحرري، نُسجت في باريس حيث جمعت فلسطينيًا بمغربية، محمد وإلهام، خطوبة استمرت لأكثر من ست سنوات، إلا ان الخاطبين تحديا كل الظروف التي واجهتهما وتمسكا بحبهما وأحلامهما، أن تكن فلسطينيًا تقفلُ في وجهك جميع الحدود وترفض الدول حتى العربية منها السمح لك بالعبور او إفتراش أرضها، كان هذا العائق الأول الذي حرام محمد وإلهام من غزل حياتهما الزوجية.
محمد نجيب نزال شاب فلسطيني هاجر في عام 2007 للدراسة والعمل إلى مصر، تاركًا أحزانًا بحجم الجبال في بلدته قباطية التي شهدت إستشهاد أخيه القائد محمود، ليفجع بعد سفره بشهر بوفاة والدته فلم يتمكن من حضور دفنها، بعد سنوات من التفوق في جامعة القاهرة وقبل موعد تخرجه صدر ضده منع أمني بلا سبب! ليتم إخراجهُ من قاعة الإمتحان في لحظتها، ورغم محاولاته العودة إلى جامعته فقد حُرم من إستكمال دراسته.
خلال سنوات دراسته السّتّ في مصر حاول تقديم طلب التأشيرة من القاهرة ليرفض طلبه ويتم إعادته من مطار القاهرة وبعدها الإسكندرية، بعد ستّ سنوات من محاولة السّفر إلى فرنسا، قرر مع خطيبته إتمام الزواج في الاردن ثم السفر منها إلى باريس، إجتمع الخطيبان في عمّان ليتم عقد القران في الثامن عشر من ديسمبر عام 2015، فأقيم حفل زفاف بسيط بحضور بعض أهل محمد والمعارف المقربين فكان لقاء رسم طريق حياةٍ جديدة، عادت زوجتهُ إلى فرنسا بعد أن تعاهدا على أن يكون أللقاء في باريس خلال أيام قليلة إلا أن يد الغدر إختطفته ليجد نفسه في سجن عسقلان.
توالت التحديات خلال سنوات خطبتهما لكن كتب الله لهما غربة وإمتحان صبرٍ جديد، غربة داخل الوطن، رغم قسوة ما عايشاه إلا أن وسائل التواصل كانت متاحةً لهما، أما اليوم فمحمد خلف جدران زنزانته، وإلهام التي تحمل جنينهما تتنقل بين المغرب وفرنسا ممنوعة أمنيًا من زيارة شريك حياتها ولا من وسيلة للتواصل بينهما، لكن عندما تتحد الأرواح يكون الإتصال أقوى وأشد فما تعارف منها إئْتَلَف.
كلمات خطتها زوجة محمد "إلهام":
لماذا تركني؟
أليس مسؤولًا عني؟؟
أين هو من عذابي ومني؟؟
أيقظتني ركلات إبنك كمن يغار عليك من شبهة النسيان، إبتسمت وحملت الهاتف الموصول بشبكة الأمل.. لعل أحدًا يحدثني عنك.. لعلي اقرأ شيئًا يرحمني من التخاذل المحيط بمصابي.
فوجدت صورة لرسالة خطية منك، أوصيت بها زميلًا لك في زنزانتك توصيني أن أتحمل.. وتخبر العالم.. وتخبرني بشوقك إلينا.