بقلم: محمد انور منى.
تتواصل المعركة بين الاحتلال الصّهيونيّ والمقاومين الفلسطينيّين في كلّ السّاحات بما فيها السّجون والمعتقلات التي تسعى إدارتها إلى النّيل من الأسرى الفلسطينيّين بشتّى الطّرق، ولكنّ الأحرار يبقون مدافعين عن الحقّ متمسّكين برايات النّصر يرفعونها عاليًا وإن كانت أيديهم مقيّدة.
وقد خاض الأسرى الفلسطينيّون على امتداد عقود طويلة من الصّراع مع المحتلّ معارك تمكّنوا من خلالها من تحقيق عدّة مكاسب يفترض أنّها حقوقهم التي تمنحها لهم الاتّفاقيّات والمواثيق الدّوليّة الخاصّة بحقوق الإنسان عامّة وأسرى الحرب بصفة خاصّة، ولكنّ الاحتلال يسعى بشكل متواصل إلى سلبهم إيّاها وذلك عبر سلسلة من الانتهاكات والإجراءات التي يرتكبها بحقّهم في ظلّ صمت دوليّ مريب.
ويُعتبر مشروع القانون الذي تقدّم به "عوديد فورير"، عضو الكنيست عن حزب "إسرائيل بيتنا" أحدث محاولات مصادرة حقوق الأسرى، حيث طالب بمصادرة ما أسماه بـ "الحقوق الفائضة" في محاولة متجدّدة لمضاعفة حالة الحرمان التي يعيشها الأسرى الفلسطينيّون، وقطع كلّ أشكال التّواصل بينهم وبين العالم الخارجيّ.
ولا يقتصر مشروع القانون الجديد على حرمان الأسرى من الزّيارات، أو التّزوّد بالحاجيات من الكانتين*، بل يتجاوزه إلى الحرمان من مشاهدة التّلفاز ومنعهم من إرسال الصّور وإدخالها، كما يسعى ذات القانون إلى عدم تمكينهم من الحقّ في الدّراسة، وبالإضافة إلى حرمانهم من إدخال معظم ما يحتاجون إليه من ملابس وأغذية وغيرها فإنّ الأسرى سيُمنعون من الحصول على كلّ شكل من أشكال التّمويل الخارجيّ الذي يمكن أن يصلهم عبر حساباتهم المصرفيّة.
وقد زعم "فورير" في سياق حشد الدّعم لمشروع القانون الذي يتبنّاه حزبه أنّ الظّروف التي يوفّرها الاحتلال الصّهيونيّ للأسرى "لا مثيل لها في العالم أجمع"، وأضاف قائلًا: "الامتيازات الممنوحة للمعتقلين الفلسطينيين غير مدمجة في أي وثيقة دوليّة" ودعا إلى إيقاف ما سماه محطّات استجمام للفلسطينيّين قائلًا: "يجب أن نوقف هذا المخيّم الصّيفيّ"، وطالب "فورير" -الذي يحظى بدعم من قبل وزير الأمن الداخليّ الصّهيونيّ- بالمصادقة على مشروع قانونه وعدم منح أيّ من الأسرى هذه "الخدمات الفائضة" إلاّ في حالات نادرة وخاصّة جدًّا.
ولم يقتصر سعي المحتلّ الصّهيونيّ إلى كسر صمود الأسرى الفلسطينيّين على مشروع قانون "فورير" فقد شهدت الفترة الماضية عرض عدّة مشاريع أخرى من بينها المشروع المعروض في الكنيست والذي ينصّ على "أن يلتزم الاحتلال بإطلاق سراح أسرى فلسطينيّين بنفس العدد من الجنود الذين تأسرهم المقاومة"، بحيث يتم تبادل جندي مقابل جندي، إضافة إلى "عدم إطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل جثث جنود الاحتلال"، كما تمّ عرض مشروع آخر يهدف إلى مضاعفة أحكام أسرى صفقة التبادل "وفاء الأحرار" الذين أعيد اعتقالهم بتهمة الوقوف خلف هجمات ضد الصهاينة، ويدّعي الاحتلال أنّ الغرض من خلف هذا القانون هو إعادة قوّة الرّدع لـ "اسرائيل"، وتتوهّم السّلطات الصّهيونيّة أنّ وصف الأسرى بـ "الإرهابيين" سيدفعهم إلى التفكير مليًّا قبل مواصلة نشاطاتهم المعادية لها، وتُشير إحصائيّات الاحتلال إلى أنّ 50% ممّن أُفرج عنهم من السّجون عادوا إلى تنفيذ هجمات ضدّه.
ولئن تعدّدت القوانين الرّامية إلى مزيد التّضييق على الأسرى الفلسطينيّين وحرمانهم من أبسط حقوقهم فإنّ الكلمة الفصل تظلّ دومًا لدى الجانب الفلسطينيّ، سواء داخل السّجون من خلال رفض الانصياع لهذه القوانين والتّصدّي لها بمختلف الأشكال النّضاليّة التي يعرفها الأسرى أكثر من غيرهم، أو خارجها عن طريق المؤسّسات الرّسميّة والهيئات المدنيّة ومختلف أطياف الشّعب الفلسطينيّ المطالبين بالتّحرّك العاجل عبر كلّ السّبل المتاحة لمنع إقرار هذه القوانين وإنهاء انفراد الاحتلال بأبناء الوطن وبناته المعتقلين دفاعًا عنه وسعيًا إلى تحريره.
*الكانتين: المكان الذي يشتري منه الأسرى احتياجاتهم.