حروف على أعتاب الحرية

فيلم "القيق" سينما الأسرى نحو العالميّة

  

بقلم: فيصل بامري.

 

مثّل وصول فيلم "القيق" إلى زاوية الأفلام القصيرة في "مهرجان كان السّينمائيّ" Cannes Film Festival حدثًا بارزًا دفع إلى الواجهة العالميّة قضيّة الأسرى الفلسطينيّين في السّجون الصّهيونيّة، فبالنّظر إلى حجم التّغطية الإعلاميّة والمواكبة الجماهيريّة التي يحظى بها المهرجان السينمائيّ الأضخم عالميًّا فإنّ وصول فيلم فلسطينيّ؛ يصوّر إضراب أسير فلسطينيّ إلى المسابقة الرّسميّة للمهرجان، سيشكّل حتمًا إنجازًا مهمًّا يجب على العاملين بالقطاع السّينمائي فلسطينيًّا وعربيًّا وإسلاميًّا استغلاله، لإنتاج المزيد من الأفلام التي تكشف حجم معاناة الآلاف من الأسرى الفلسطينيّين في سجون الاحتلال، وتنزع ورقة التّوت عن الكيان الذي يحرص على أن يظلّ أمام الرّأي العامّ الدّوليّ "الدّولة الدّيمقراطيّة الوحيدة في الشّرق الأوسط".

 

وتلعب السّينما في الدّول الغربيّة خاصّة دورًا كبيرًا في صناعة الرّأي العامّ وتحديد وجهات النّظر إزاء القضايا المختلفة، وبالتّالي تصبح صناعة أفلام فلسطينيّة تهتمّ بقضيّة الأسرى وتوجَّه بالأساس إلى المتلقّي الغربيّ بابًا جديدًا لإماطة اللّثام عن الوجه الحقيقيّ للسّجّان الصّهيونيّ، الذي يحرم الأسير من أبسط الحقوق التي نصّت عليها مختلف القوانين الدّولية المتعلّقة بحقوق الإنسان.

 

المخرجون الفلسطينيّون وقضيّة الأسرى

وقد عُرِف عن نورس أبو صالح مخرج فيلم "القيق" قوله: "لن يصنع أفلامنا إلاّ نحن".. في تأكيد على أنّ المخرجين الفلسطينيّين يجب أن يكونوا أوّل من يهتمّ بقضيّة وطنيّة بحجم قضيّة الأسرى، وهو يقول في ذات السّياق :"أنا كصانع أفلام يجب أن أعبّر عن قضيّتي التي أنتمي إليها حتّى أكون حقيقيًّا وملتصقًا بها…".

 

ويشاركه المخرج الفلسطينيّ فايق جرادة الانتماء إلى هذه القضيّة إذ يقول: "بصراحة، أنا أنتمي بصورة شخصية لقضية الأسرى الفلسطينيين، وفي عام 2004 أضربت عن الطعام مع أصدقائي المخرجين في قطاع غزة تضامنًا مع الأسرى داخل سجون الاحتلال، فقضية الأسرى هي قضية إنسانية بحتة ومن أهم القضايا المتعددة للقضية الفلسطينية، ويجب على كل فلسطيني أن ينتمي إليها، لأنها قضية إنسان، ولا توجد أسرة فلسطينية تخلو من أسير لها داخل سجون الاحتلال، كما أن أكثر من مليوني فلسطيني على مدار الاحتلال تم أسره داخل المعتقلات الإسرائيلية…".

 

ويضيف مخرج فيلم "مؤبّد مفتوح": "هي قضية توحد ولا تفرق، وبالتالي كان علينا جميعًا نحن العاملين بالصورة المرئية أن نسلّط الضوء على قضية الأسرى، وأذكر أنه في عام 2005 قمت بإخراج فيلم "بعيدًا عن الشمس" وكان يحكي عن 45 نوعًا من التعذيب داخل سجون الاحتلال…".

 

ويعتبر فيلم "ستائر العتمة" المستوحى من رواية وليد الهودلي التي تحمل ذات الاسم من أهمّ الأعمال السيّنمائيّة الفلسطينيّة التي اهتمّت بقضيّة الأسرى في السّنوات الأخيرة، ويصوّر الفيلم الذي يتواصل على امتداد 70 دقيقة معظم الخروقات والانتهاكات الوحشيّة التي يمارسها السّجّانون الصّهاينة بحق الأسرى الفلسطينييّين.

 

الأسرى برؤية سينمائيّة

تقتحم الأفلام التي يشكّل الأسرى الفلسطينيّين مادّتها الرّئيسيّة السّجون الصهيونيّة، وتنقل صورًا أقرب ما تكون إلى الحقيقة عن الانتهاكات التي يتعرّضون لها، ولكنّها لا تقف عند ذلك الحدّ بل تتجاوزه لإعادة كتابة التّاريخ الفلسطينيّ الذي يرفض الرّواية الصّهيونيّة للأحداث، فها هو فيلم "لو حكت أسماء" للمخرجة يافا عاطف يسرد السّيرة الحقيقيّة للمعتقلة الفلسطينيّة أسماء التي شوّه الصّهاينة ذكراها بأكاذيبهم، وها هو فيلم "3000 ليلة" للمخرجة الفلسطينيّة مي المصري يسلّط الضّوء على ما تعانيه الأسيرات الفلسطينيّات في سجون الاحتلال من خلال نموذج الشّابّة "ليال" التي يتمّ اعتقالها في نابلس سنة 1980 فتتعرّض للتّعذيب القاسي ومحاولات استدراجها لتتعاون مع السّجّان وتتجسّس على بقيّة الأسيرات ولكنّ إنجابها لابنها "نور" في الأسر سيغيّر مجرى الأحداث.

 

الصّعوبات

لم ينج قطاع السّينما من تدهور الأوضاع في فلسطين المحتلّة بسبب الاحتلال الذي يواجه كلّ فعل مقاوم أيًّا كان شكله بالقمع، وتقول مي المصري أن "معركة المخرجين الفلسطينيين طويلة وصعبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية في ظل الإمكانات المحدودة وقلة المصادر المالية والتقنية والدعم، ومع هذا فرسالتنا هامة في ظل هذا الصراع الطويل…"، وفي سياق حديثه عن الصّعوبات التي يواجهها السّينمائيّون الفلسطينيّون تطرّق فايق جرادة إلى وضعهم في غزّة بالقول: "هل لك أن تتخيل أن هناك شبابًا مبدعين لم يخرجوا منذ عشر سنوات -أي عندما بدأ الحصار على قطاع غزة- ولم يحتكوا بالخارج ولم يشاركوا في مهرجانات دولية، ولولا الإنترنت لكانت غزة في عالم آخر، والحصار له تداعياته، ولا يوجد إبداع يخرج من غرف مغلقة…"

 

سينما الأسرى بين المحلّيّة والعالميّة

تتعدّد الأفلام الخاصّة بقضيّة الأسرى وتتنوّع بين أفلام قصيرة وأخرى طويلة ووثائقيّة وسينمائيّة ولكنّها تتآلف لتسلّط الضّوء على قضيّة إنسانيّة يستعيد فيها الأسير الفلسطينيّ إنسانيّته ويتحرّر من كونه مجرّد رقم إحصائيّ، وعلى امتداد العقود الماضية تعدّدت عناوين الأفلام الخاصّة بالأسرى من "بعيدًا عن الشّمس" إلى معركة الأمعاء الخاوية، وأجراس خلف القضبان، والورقة الرّابحة، و3000 ليلة، ولو حكت أسماء، وغيرها من الأفلام الفلسطينيّة التي سعى من خلالها أبناء الوطن للدّفاع عن أسراه ولو من بوّابة السّينما.

 

وقد عرفت السّنوات الأخيرة إنتاج عدّة أفلام غربيّة خاصة بالأسرى الفلسطينيّين مثل فيلم "ما زلت حيّا" وفيلم "عندما يعود الأطفال" الخاص بالأطفال الفلسطينيّين الأسرى، ويمكن لهذا الإنتاج السّينمائيّ أن يساهم بشكل فعّال في تدويل قضيّة الأسرى أو على الأقلّ وضع العالم الغربيّ أمام حقيقة ما يجري في السّجون الصّهيونيّة.

 

وإنّ مجرّد النّظر في فيلم "فوضى" وهو إنتاج صهيونيّ يصوّر محاولات الاحتلال الوصول إلى الأسير الفلسطيني إبراهيم حامد كفيل لوحده بدفع كلّ العاملين بالقطاع السّينمائي للدّفاع عن أسراهم وأسيراتهم بإنتاج سينمائيّ متى تمّ إتقانه سيكون له الأثر الإيجابي الكبير في قضيّة الأسرى ولو على المدى البعيد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى