عين على السجون

من الزنزانة إلى الخيمة

  

 

بقلم: أمين أبو وردة

 

يتنقلُ الأسير الفلسطيني في حياته في الأسر بين عدة سجون، فالاحتلال حريص على زعزعة الشعور النفسي للأسرى، من "عوفر" إلى "نفحة"، ومن "الرملة" إلى "عسقلان"؛ تبقى الجدران الأربعة سجنًا مهما تغير لون طلائها، وتظل الزنازين معاقل الأحرار الذين حرمتهم يد الاحتلال الآثمة من أوطانهم.

 

سجن النقب الصحراوي والذي يعَدُّ واحدًا من السجون المُستحدثة، فقد استقبل أكثر من خمسين ألف معتقل فلسطيني منذ مطلع عام 1988، كما أن الجيش الصهيوني قسّمه إلى ثلاثة أقسام كبيرة كان قسم "الخِيَم" إحداها.

 

في أواخر شهر أكتوبر عام 2015، وبعد انتظار قرابة الشهرين تم نقلي من سجن "مجدو" إلى سجن "النقب الصحراوي" ليكون الجَلاء إلى خيمةٍ مفتوحة سبقتها زنزانة ضيقة.

العيش في الزنازين له مراسم وبروتوكولات تخضع لقوانين صارمة من حيث الفورة في النهار لا تتجاوز أربع ساعات محدودة غير متواصلة، لكن سجن "النقب الصحراوي" يتميز بعدم احتوائه على أقسام مغلقة بخلاف بقية السجون الأخرى.

 

لأكثر من ستة أشهر كان المكوث على "البُرش"* هو السمة الغالبة لساعات اليوم باستثناء الصلوات وتناول الطعام في غرفة الزنزانة، في عالم الخيام الأمر يختلف مضمونًا وشكلًا رغم أنه يتفق مع الحرمان من الحرية والانطلاق نحو العالم الأرحب.

ستة خيام في القسم الذي يحمل الرقم (4)، يقطن في كل خيمة زهاء عشرين معتقلًا على أسرّة من طابقين، يُمنح السرير الأرضي للأسرى القدامى والأكبر عمرًا ومن يعانون صعوبة في الصعود، ولا ضوابط للفورة* داخل القسم؛ فالوقت متاح للمكوث خارج الخيمة ليلًا ونهارًا، لأن العلاقة مع السجّانين تقتصر فقط على العدد اليومي ثلاث مرات لدقائق معدودة.

 

تقع الخيام على أحد جوانب الساحة الكبيرة، فيما تشغل مرافق "الكانتين"* والحمامات والمطبخ الجانب الآخر، وتتحول الساحة في ساعات الفورة إلى ملعب لكرة الطائرة أو القدم أو السلة، فيما يختار البعض الآخر ممارسة لعبة تنس الطاولة والشطرنج لقضاء الوقت، والتي يشتري الأسرى مستلزماتها من "الكانتين" أو يوفرها ذووهم أو يصنعونها بأيديهم بعد أن توقف الصليب الأحمر عن تزويدهم بها.

في ساعات النهار الأولى وفي المساء تكثر اللقاءات والأنشطة الثقافية والتربوية التي تصقل شخصية الأسير وتساهم في تطوير قدراته الفكرية؛ خاصة من يقضي سنوات طويلة في الأسر، مما يجعل حياة الخيم أكثر فعالية من حياة الاعتقال في غرف الزنازين.

 

وأما الأجواء الماطرة فلها رونق خاص بين أسرى الخيام، إذ يسري دفء من اجتماع عشرين أسيرًا في خيمة واحدة وهم ينسجون الحكايات والأخبار التي يتلقونها بوسائلهم الخاصة حيث تصبح مادة للنقاش وتبادل الآراء على فناجين الشاي الساخن والقهوة، كما يلتفّ الأسرى لمتابعة التلفاز داخل الخيام؛ إذ ينصبّ التركيز على البرامج الإخبارية أثناء هذه الأجواء الباردة ويتحرون القضايا الساخنة التي تشهدها الساحة الفلسطينية.

 

وقد استمد الجيش الصهيوني فكرة "الخيمة السجن" من الجيش الفرنسي، إذ استخدم الأخير أبشع الوسائل والطرق في تعذيب اللبنانيين والفلسطينييّن إبان الحملة الفرنسية، في محاولة واضحة لعزل الأسير عن وطنه وحياته وفصله عن الزمان والمكان، ولكن الأسير الفلسطيني وإن نُزع سلاحه وَوُضع خلف القضبان قادر اليوم على إحالة العجز إلى قوة، واليأس إلى حياة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*البُرش: الفراش الذي ينام عليه الأسرى.

*الفورة: هي عبارة عن "فسحة" يومية للأسرى في ساحة السجن مدتها ساعة.

*الكانتين: المكان الذي يشتري منه الأسرى احتياجاتهم.

 

 

 
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى