
بقلم: محمد النجار.
عندما تجلس وحيدًا في مكتبك، حاملًا وجع الأسرى على كاهلك، يتسلل إليك اليأس والإحباط من كل جانب فما زال الكثير بلا ضمير، وما زال الأسرى دون نصير، يتحول اليأس إلى ثورة غضب على هذا الواقع البائس، وهذه الحياة القاسية على كل الأحرار، فتمسك قلمك، لتكتب بضع كلمات عن أولئك الأبطال الأحياء في مقابر النسيان، عن الأسرى المنسيين من ذاكرة الأيام، وكأنك بكلماتك تريد أن تلعن كل من خذلهم وتصفع وجوههم ليكونوا أوفياء لمن نذروا أعمارهم وحياتهم من أجل حرية هذه الأرض وكرامة هذا الشعب.
أسرى عظام، تنحني لهم القامات، هم أساطير في الثبات والصمود، تجاوزوا حدود الصبر الذي نعرفه، فصبرهم بعد كل هذه السنوات من الحرمان والعذاب والزنازين ما شابته شائبة، هو صبرٌ يليق بتلك القامات الكبيرة والهمم العالية.. هو صبر الأسير البطل ماهر عبد اللطيف يونس، هو ذاك العملاق ابن قرية عرعرة في المثلث الشمالي من الأراضي المحتلة عام 1948، هو الصابر الصامد منذ 34 عامًا في زنازين النسيان وسجون الحرمان وتسلط السجّان.
ولد ماهر يونس في التاسع من يناير 1958، له شقيق واحد وخمس شقيقات، أنهى دراسته الابتدائية في مدارس البلدة، ثم التحق بالمدرسة الزراعية في مدينة الخضيرة وفي التاسع عشر من يناير 1983 اعتقلته سلطات الاحتلال ووجهت له النيابة العسكرية تهمة قتل جندي صهيوني، بعد 27 جلسة أصدرت بحقه المحكمة العسكرية في مدينة اللد حكمًا بالإعدام شنقًا، وبعد شهر من طلب الاستئناف خفّضت المحكمة العقوبة من الإعدام إلى السجن المؤبد مدى الحياة، وخلال فترة اعتقاله الطويلة تنقل الأسير ماهر بين كل من سجن عارة والخضيرة، الجلمة و”كفار يونا”، الرملة وعسقلان، نفحة وبئر السبع، هشارون ومجدو، “هداريم” وجلبوع.
ماهر يونس، هو ثاني أقدم أسير فلسطيني بعد ابن عمه الأسير البطل كريم يونس، عميد الأسرى الفلسطينيين، هو ذلك الشامخ منذ اعتقاله، الصابر منذ أسره، هو تلك الأيقونة التي ما زالت عنوانًا كبيرًا لكل أحرار العالم، هو ذاك الرمز الذي تفخر به فلسطين، هو المقاوم في الساحات، والمقاتل على رأس الجبهات.
ماهر يونس، بأيّ الكلمات نصفك؟ وكيف لنا أن نوفيك حقّك؟ إنّك البطل الذي لا يستطيع إلا أن يكون بطلًا، تواضع وإباء وإصرار، وصمود لا يعرف المستحيل، وثبات لا تهزه الأعاصير، يا من أطلقت عنان الرفض في وجه الطغاة، وصرخت لاستنهاض ما تبقى من نخوة، وملأت المدى زئيرًا وصدى، اصعد بصبرك فوق قمم الجبال، حطّم قيود الاعتقال، سر شامخًا رغم التراجع، كن واثقًا بالله رغم التخاذل، فالنصر قريبٌ قريب والحرية موعدك.